فقال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله) أي: إذا أوجب الله ورسوله (أمرا) وألزماه وحكما به (أن يكون لهم الخيرة) أي: الاختيار (من أمرهم) على اختيار الله تعالى، والمعنى أن كل شئ أمر الله تعالى به، أو حكم به، فليس لأحد مخالفته، وترك ما أمر به إلى غيره. (ومن يعص الله ورسوله) فيما يختاران له (فقد ضل ضلالا مبينا) أي: ذهب عن الحق ذهابا ظاهرا.
ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (وإذ تقول) أي: واذكر يا محمد حين تقول (للذي أنعم الله عليه) بالهداية إلى الإيمان (وأنعمت عليه) بالعتق. وقيل: أنعم الله عليه بمحبة رسوله، وأنعم الرسول عليه بالتبني، عن السدي، والثوري، وهو زيد بن حارثة (أمسك عليك زوجك) يعني زوجك زينب، تقول: أحبسها، ولا تطلقها. وهذا الكلام يقتضي مشاجرة جرت بينهما حتى وعظه الرسول، وقال له:
أمسكها.
(واتق الله) في مفارقتها ومضارتها. (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناص والله أن تخشاه)، والذي أخفاه في نفسه، هو أنه إن طلقها زيد تزوجها، وخشي لائمة الناس أن يقولوا أمره بطلاقها، ثم تزوجها. وقيل: إن الذي أخفاه في نفسه، هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه، وقيل وأن زيدا سيطلقها. فلما جاء زيد، وقال له: أريد أن أطلق زينب. قال له: أمسك عليك زوجك. فقال سبحانه: لم قلت أمسك عليك زوجك، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك.
روي ذلك عن علي بن الحسين عليه السلام. وهذا التأويل مطابق لتلاوة الآية وذلك أنه سبحانه أعلم أنه يبدي ما أخفاه، ولم يظهر غير التزويج. قال: زوجناكها، فلو كان الذي أضمره محبتها، أو إرادة طلاقها، لأظهر الله تعالى ذلك مع وعده بأنه يبديه.
فدل ذلك على أنه إنما عوتب على قوله: أمسك عليك زوجك، مع علمه بأنها ستكون زوجته، وكتمانه ما أعلمه الله به، حيث استحيا أن يقول لزيد إن التي تحتك، ستكون امرأتي.
قال البلخي. ويجوز أن يكون أيضا على ما يقولونه: إن النبي استحسنها، فتمنى أن يفارقها زيد، فيتزوجها، وكتم ذلك، لأن هذا التمني قد طبع عليه البشر.
ولا حرج على أحد في أن يتمنى شيئا استحسنه. وقيل: إنه إنما أضمر أن يتزوجها إن طلقها زيد، من حيث إنها كانت ابنة عمته، فأراد ضمها إلى نفسه، لئلا يصيبها