سنتي). (وكان أمر الله قدرا مقدورا) أي: كان ما ينزله الله على أنبيائه من الأمر الذي يريده، قضاء مقضيا. وقيل: معناه جاريا على مقدار لا يكون فيه تفاوت من جهة الحكمة. وقيل: إن القدر المقدر هو ما كان على مقدار ما تقدم، من غير زيادة ولا نقصان، وعليه قول الشاعر:
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الألى التي كان سطر ثم وصف سبحانه الأنبياء الماضين، وأثنى عليهم فقال: (الذين يبلغون رسالات الله) أي: يؤدونها إلى من بعثوا إليهم، ولا يكتمونها (ويخشونه) أي:
ويخافون الله مع ذلك في ترك ما أوجبه عليهم. (ولا يخشون أحدا إلا الله) ولا يخافون من سوى الله فيما يتعلق بالأداء والتبليغ. وفي هذا دلالة على أن الأنبياء لا يجوز عليهم التقية في تبليغ الرسالة.
ومتى قيل: فكيف ما قال لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وتخشى الناس؟ فالقول. إنه لم يكن ذلك فيما يتعلق بالتبليغ، وإنما خشي المقالة القبيحة فيه. والعاقل كما يتحرز عن المضار، يتحرز من إساءة الظنون به، والقول السئ فيه، ولا يتعلق شئ من ذلك بالتكليف. (وكفى بالله حسيبا) أي: حافظا لأعمال خلقه، ومحاسبا مجازيا عليها.
ولما تزوج زينب بنت جحش قال الناس: إن محمدا تزوج امرأة ابنه، فقال سبحانه: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) الذين لم يلدهم. وفي هذا بيان أنه ليس باب لزيد فتحرم عليه زوجته، فإن تحريم زوجة الابن معلق بثبوت النسب، فمن لا نسب له، لا حرمة لامرأته، ولهذا أشار إليهم فقال (من رجالكم)، وقد ولد له صلى الله عليه وآله وسلم أولاد ذكور: إبراهيم، والقاسم، والطيب، والمطهر، فكان أباهم. وقد صح أنه قال للحسن: (إن ابني هذا سيد). وقال أيضا للحسن والحسين: (ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم). وقيل: أراد بقوله (رجالكم) البالغين من رجال ذلك الوقت، ولم يكن أحد من أبنائه رجلا في ذلك الوقت.
(ولكن رسول الله) أي: ولكن كان رسول الله، لا يترك ما أباحه الله تعالى بقول الجهال. وقيل: إن الوجه في اتصاله بما قبله أنه أراد سبحانه ليس يلزم طاعته وتعظيمه، لمكان النسب بينه وبينكم، ولمكان الأبوة، بل إنما يجب ذلك عليكم،