ضيعة، كما يفعل الرجل بأقاربه، عن الجبائي قال: فأخبر الله سبحانه الناس بما كان يضمره من إيثار ضمها إلى نفسه، ليكون ظاهره مطابقا لباطنه، ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه يوم فتح مكة، وقد جاءه عثمان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح يستأمنه منه، وكان صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك قد أهدر دمه، وأمر بقتله، فلما رأى عثمان استحيا من رده، وسكت طويلا، ليقتله بعض المؤمنين، ثم آمنه بعد تردد المسألة من عثمان، وقال: أما كان منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا فيقتله؟ فقال له عباد بن بشر: يا رسول الله! إن عيني ما زالت في عينك انتظار أن تومئ إلي فأقتله فقال: إن الأنبياء لا تكون لهم خائنة أعين. فلم يستحب الإشارة إلى قتل كافر، وإن كان مباحا.
وقيل: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يتزوج بها إذا فارقها، ولكنه عزم أن لا يتزوجها، مخافة أن يطعنوا عليه، فأنزل الله هذه الآية كيلا يمتنع عن فعل المباح، خشية الناس، ولم يرد بقوله: (والله أحق أن تخشاه) خشية التقوى لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتقي الله حق تقاته، ويخشاه فيما يجب أن يخشى فيه، ولكنه أراد خشية الاستحياء لأن الحياء كان غالبا على شيمته الكريمة صلى الله عليه وآله وسلم كما قال سبحانه: (إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم).
وقيل: إن زينب كانت شريفة، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من زيد مولاه، ولحقها بذلك بعض العار، فأراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يزيدها شرفا، بأن يتزوجها، لأنه كان السبب في تزويجها من زيد، فعزم أن يتزوج بها إذا فارقها. وقيل: إن العرب كانوا ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في الحكم، فأراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يبطل ذلك بالكلية، وينسخ سنة الجاهلية، فكان يخفى في نفسه تزويجها لهذا الغرض، كيلا يقول الناس إنه تزوج بامرأة ابنه، ويقرفونه بما هو منزه عنه، ولهذا قال: أمسك عليك زوجك، عن أبي مسلم.
ويشهد لهذا التأويل قوله فيما بعد (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرا) ومعناه: فلما قضى زيد حاجته من نكاحها، فطلقها وانقضت عدتها، ولم يكن في قلبه ميل إليها، ولا وحشة من فراقها، فإن معنى القضاء هو الفراغ من الشئ على التمام، زوجناكها أي: أذنا لك في تزويجها، وإنما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتى لا يكون