(يتوفاكم) أي: يقبض أرواحكم أجمعين. وقيل: يقبضكم واحدا واحدا حتى لا يبقي منكم أحدا (ملك الموت الذي وكل بكم) أي: وكل بقبض أرواحكم، عن ابن عباس قال: جعلت الدنيا بين يدي ملك الموت، مثل جام يأخذ منها ما شاء إذا قضى عليه الموت، من غير عناء، وخطوته ما بين المشرق والمغرب. وقيل: إن له أعوانا كثيرة من ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، عن قتادة والكلبي. فعلى هذا المراد بملك الموت الجنس، ويدل عليه قوله (توفته رسلنا) وقوله: (تتوفاهم الملائكة). وأما إضافة التوفي إلى نفسه في قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) فلأنه سبحانه خلق الموت، ولا يقدر عليه أحد سواه (ثم إلى ربكم ترجعون) أي:
إلى جزاء ربكم من الثواب والعقاب تردون. وجعل ذلك رجوعا إليه، تفخيما للأمر، وتعظيما للحال.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأمراض والأوجاع كلها بريد للموت، ورسل للموت، فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال: يا أيها العبد! كم خبر بعد خبر، وكم رسول بعد رسول، وكم بريد بعد بريد، أنا الخبر الذي ليس بعدي خبر، وأنا الرسول أجب ربك طائعا، أو مكرها. فإذا قبض روحه، وتصارخوا عليه، قال: على من تصرخون، وعلى من تبكون، فوالله ما ظلمت له أجلا، ولا أكلت له رزقا، بل دعاه ربه، فليبك الباكي على نفسه، فإن لي فيكم عودات وعودات، حتى لا أبقي منكم أحدا).
ثم أخبر سبحانه عن حالهم في القيامة، وعند الحساب، فقال: (ولو ترى) يا محمد، أو أيها الانسان. (إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم) أي: يوم القيامة حين يكون المجرمون متطأطئي رؤوسهم ومطرقيها، حياء وندما وذلا. (عند ربهم) أي:
عندما يتولى الله سبحانه خلقه، يقولون: (ربنا أبصرنا وسمعنا) أي: أبصرنا الرشد، وسمعنا الحق. وقيل: معناه أبصرنا صدق وعدك، وسمعنا منك تصديق رسلك. وقيل: معناه إنا قد كنا بمنزلة العمي فأبصرنا، وبمنزلة الصم فسمعنا.
(فارجعنا) أي: فارددنا إلى دار التكليف (نعمل صالحا) من الصالحات (إنا موقنون) اليوم لا نرتاب شيئا من الحق والرسالة.
ثم قال سبحانه: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) بأن نفعل أمرا من الأمور يلجئهم إلى الإقرار بالتوحيد، ولكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف، لأن المقصود به