(الرحيم) بأهل طاعته (الذي أحسن كل شئ خلقه) أي: أحكم كل شئ خلقه، وأتقنه، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: معناه علم كيف يخلق كل شئ قبل أن خلقه، من غير أن يعلمه أحد، عن مقاتل، والسدي، من قولهم فلان يحسن كذا أي: يعلمه. وقيل: الذي جعل كل شئ في خلقه حسنا حتى جعل الكلب في خلقه حسنا، عن ابن عباس. والمعنى: إنه أحسن خلقه من جهة الحكمة، فكل شئ خلقه وأوجده، فيه وجه من وجوه الحكمة تحسنه. وفي هذا دلالة على أن الكفر والقبائح لا يجوز أن يكون من خلقه.
(وبدأ خلق الانسان من طين) أي ابتدأ خلق آدم الذي هو أول البشر، من طين كان ترابا، ثم صار طينا، ثم صلصالا، ثم حيوانا. (ثم جعل نسله) أي نسل الانسان الذي هو آدم يعني ولده (من سلالة) وهي الصفوة التي تنسل من غيرها.
ويسمى ماء الرجل سلالة، لانسلاله من صلبه. (من ماء مهين) أي: ضعيف، عن قتادة. وقيل: حقير مهان. أشار إلى أنه من شئ حقير لا قيمة له، وإنما يصير ذا قيمة بالعلم والعمل. (ثم سواه) أي: جعله بشرا سويا، وعدله، ورتب جوارحه.
(ونفخ فيه) أي: في ذلك المخلوق (من روحه) أضاف الروح إلى نفسه إضافة اختصاص وملك، على وجه التشريف. ثم قال سبحانه مخاطبا لذريته: (وجعل لكم) أيها الخلق (السمع والأبصار) لتسمعوا المسموعات، وتبصروا المبصرات (والأفئدة) أي: وجعل لكم القلوب لتعقلوا بها (قليلا ما تشكرون) أي: تشكرون نعم الله قليلا من كثير. وما: مزيدة. ويجوز أن يكون (ما) مصدرية، فيكون تقديره: قليلا شكركم لهذه النعم. (وقالوا) يعني منكري البعث (أإذا ضللنا في الأرض) أي: غبنا في الأرض، وصرنا ترابا، وكل شئ غلب عليه غيره حتى يغيب فيه، فقد ضل. قال الأخطل:
فكنت القذا في موج أكدر مزبد قذف الآتي به، فضل ضلالا (1) وقيل: إن معنى ضللنا هلكنا، عن قتادة ومجاهد. (أإنا لفي خلق جديد) أي: نبعث ونحيى، فهو استفهام معناه الانكار، والمعنى: كيف نخلق خلقا