وثالثها. إنه جعل ذلك في مقابلة صلاة الليل، وهي خفية، فكذلك ما بإزائها من جزائها، ويؤيد ذلك ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ما من حسنة إلا ولها ثواب مبين في القرآن، إلا صلاة الليل، فإن الله، عز اسمه، لم يبين ثوابها، لعظم خطرها، قال: (فلا تعلم نفس) الآية. وقرة العين: رؤية ما تقر به العين، يقال:
أقر الله عينك أي: صادف فؤادك ما يرضيك، فتقر عينك حتى لا تطمح بالنظر إلى ما فوقه. وقيل: هي من القر أي: البرد لأن المستبشر الضاحك يخرج من شؤون عينيه دمع بارد، والمحزون المهموم يخرج من عينيه دمع حار، ومنه قولهم: سخنت عينه، وهو قرير العين، وسخين العين. وإنما أضاف القرة إلى الأعين على الإطلاق، لا إلى أعينهم تنبيها على أنها غاية في الحسن والكمال، فتقر بها كل عين.
(جزاء بما كانوا يعملون) من الطاعات في دار الدنيا (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) هذا استفهام يراد به التقرير أي: أيكون من هو مصدق بالله على الحقيقة، عارفا بالله وبأنبيائه، عاملا بما أوجبه الله عليه، وندبه إليه، مثل من هو فاسق، خارج عن طاعة الله، مرتكب لمعاصي الله. ثم قال: (لا يستوون) لأن منزلة المؤمن درجات الجنان، ومنزلة الفاسق دركات النيران.
ثم فسر ذلك بقوله: (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) يأوون إليها (نزلا بما كانوا يعملون) أي: عطاء بما كانوا يعملون، عن الحسن.
وقيل: ينزلهم الله فيها نزلا كما ينزل الضيف يعني أنهم في حكم الأضياف. (وأما الذين فسقوا فمأواهم) الذي يأوون إليه (النار) نعوذ بالله منها (كلما أرادوا أن يخرجوا منها) أي: كلما هموا بالخروج منها لما يلحقهم من ألم العذاب (أعيدوا) أي: ردوا (فيها) وقد مر بيانه في سورة الحج.
(وقيل لهم) مع ذلك (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) أي: لا تصدقون به، وتجحدونه. وفي هذا دلالة على أن المراد بالفاسق هنا الكافر المكذب. قال ابن أبي ليلى: نزل قوله (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) الآيات.
في علي بن أبي طالب عليه السلام، ورجل من قريش. وقال غيره: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، والوليد بن عقبة. فالمؤمن: علي، والفاسق: الوليد. وذلك أنه قال لعلي عليه السلام: أنا أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا. فقال علي عليه السلام: ليس كما