فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب، ثم أمر به فألقي في الطريق. فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان، فلما رأوا ذلك، صغر في أعينهم ما جاؤوا به، عن ثابت اليماني. وقيل: إنها عمدت إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، فألبست الجواري الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب، وفي آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة، والغلمان على خمسمائة برذون، على كل فرس لجام من ذهب، مرصع بالجواهر، وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب، وخمسمائة لبنة من فضة، وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع، وعمدت إلى حقة، فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة، وخرزة جزعية مثقوبة، معوجة الثقب، ودعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو، وضمت إليه رجالا من قومها، أصحاب رأي وعقل، وكتبت إليه كتابا بنسخة الهدية، قالت فيها:
إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف، وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها، واثقب الدرة ثقبا مستويا، وأدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن. وقالت للرسول: انظر إليه إن دخلت عليه، فإن نظر إليك نظرة غضب، فاعلم أنه ملك، فلا يهولنك أمره، فإنا أعز منه. وإن نظر إليك نظر لطف، فاعلم أنه نبي مرسل.
فانطلق الرسول بالهدايا، وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان، فأخبره الخبر، فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب، ولبنات الفضة، ففعلوا. ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ، ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة، وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة، ففعلوا. ثم قال للجن: علي بأولادكم. فاجتمع خلق كثير، فأقامهم على يمين الميدان ويساره.
ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه، ومثلها عن يساره، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ، وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ، وأمر الوحش والسباع والهوام والطير، فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره.
فلما دنا القوم من الميدان، ونظروا إلى ملك سليمان تقاصرت إليهم أنفسهم، ورموا بما معهم من الهدايا. فلما وقفوا بين يدي سليمان، نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق، وقال: ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا له. وأعطاه كتاب الملكة.