(يوم) في قولك. يوم الجمعة القتال. والعامل في الظرف في الأصل الفعل المحذوف، أو معنى الفعل مثل قولك يحدث أو حادث، أو يكون أو كائن. ولا يجوز أن يكون العامل فيه الإخراج نفسه، إذ لو كان كذلك لكان الكلام غير تام، ولا يكون له خبر، ثم يحذف هذا المضمر لدلالة الظرف عليه وقيامه مقامه، ويصير الذكر الذي كان في المضمر من المحدث عنه في الظرف، وذلك الذكر مرتفع بالظرف كما كان يرتفع بالفعل، كما في نحو قولك: زيد ذهب، وزيد ذاهب. فلما قام الظرف مقام الفعل، متأخرا عن الاسم، قام مقامه أيضا مبتدأ، فرفع الاسم الظاهر كما رفعه الفعل. فكذلك (إذا) في الآية، تقديره في الأصل: إذا متم إخراجكم كائن، أو حادث، أو يكون، أو يحدث. ثم اختزل الفعل، أو معنى الفعل على ما قاله أبو علي، فانتصب إذا بذلك كما ينتصب (غدا) في قولك: غدا الرحيل. وحذف الخبر كما حذف من غد، ثم قام إذا مقام الفعل، فرفع قوله (أنكم مخرجون) كما رفع قولك: غدا الرحيل.
وعلى هذا فيجوز أن نقول هنا: إن موضع (إذا) نصب بحادث، أو يحدث، المضمر في قولك: إذا متم إخراجكم يحدث، أو حادث. ويجوز أن نقول: إن الاسم الذي هو (أنكم مخرجون) واقع موقع جواب شرط إذا، ويرفع بفعل مضمر تقديره: أيعدكم إذا متم يعاد إخراجكم، أو يحدث إخراجكم. ويكون موضع (إذا) نصب بذلك الفعل. فأما تقدير ارتفاع (أن) الثانية بالظرف في الآيتين الأخيرتين، فقد تقدم بيانه في موضعيهما من هذا الكتاب، فلا معنى لإعادته. فقد أجاز أبو عثمان وغيره إضمار الظرف وإعماله، كما قالوا في انتصاب مثلهم في بيت الفرزدق.
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم، * إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر (1) إنه على ظرف مضمر.
المعنى: ثم عطف سبحانه على قصة نوح، فقال: (ثم أنشأنا من بعدهم) أي: أحدثنا وخلقنا من بعد قوم نوح (قرنا آخرين) أي: جماعة آخرين من الناس.
والقرن: أهل العصر على مقارنة بعضهم لبعض. قيل: يعني عادا قوم هود، لأنه المبعوث بعد نوح. وقيل: يعني ثمود لأنهم أهلكوا بالصيحة، عن الجبائي.