للتعدي أنبته ونبت به. ويجوز أن يكون الباء في موضع حال، كما كان في الوجه الأول، ولا يكون للتعدي. ولكن تنبت وفيها دهن. وقد قالوا أنبت بمعنى نبت، فكان الهمزة في أنبت مرة للتعدي، ومرة لغيرها. ويكون من باب أخال وأجرب وأقطف أي: صار ذا خال، وجرب (1). ومن قرأ تنبت فهو على معنى تنبت، وفيها دهنها، وتؤكد ذلك قراءة عبد الله (تخرج بالدهن) أي: تخرج من الأرض ودهنها معها. قال ابن جني: ذهبوا في بيت زهير: (حتى إذا أنبت البقل) (2) إلى أنه في معنى نبت. وقد يجوز أن يكون محذوف المفعول بمعنى حتى إذا أنبت البقل ثمره.
قال: ومن ذهب إلى زيادة الباء في قوله: تنبت بالدهن فمضعوف المذهب، لأنه يزيد حرفا لا حاجة له إلى اعتقاد زيادته.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم، فقال: (وشجرة تخرج من طور سيناء) أي وأنشأنا لكم بذلك المطر شجرة يعني شجرة الزيتون، وخضت بالذكر لما فيها من العبرة بأنه لا يتعاهدها انسان بالسقي، وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن الذي تعظم به المنفعة. وسيناء: اسم المكان الذي به هذا الجبل في أصح الأقوال. وهي نبطية في قول الضحاك، وحبشية في قول عكرمة. وهي اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها، عن مجاهد. وقيل: سيناء البركة، فكأنه قيل: جعل البركة، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: طور سيناء الجبل المشجر أي: كثير الشجر، عن الكلبي، وقيل: هو الجبل الحسن، عن عطاء. وهو الجبل الذي نودي منه موسى عليه السلام، وهو ما بين مصر، وأيلة، عن ابن زيد. (تنبت بالدهن) أي: تنبت ثمرها بالدهن، لأنه يعصر من الزيتون الزيت (وصبغ للآكلين) والصبغ ما يصطبغ به من الأدم، وذلك أن الخبز يلون بالصبغ إذا غمس فيه. والاصطباغ بالزيت: الغمس فيه للائتدام به. والمراد بالصبغ الزيت، عن ابن عباس، فإنه يدهن به ويؤتدم. جعل الله في هذه الشجرة أدما ودهنا. فالأدم الزيتون، والدهن الزيت. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الزيت شجرة مباركة فائتدموا به، وادهنوا).