بلغ إلى قوله (خلقا آخر) خطر بباله (فتبارك الله أحسن الخالقين) فلما أملاها رسول الله كذلك، قال عبد الله: إن كان نبيا يوحى إليه، فأنا نبي يوحى إلي! فلحق بمكة مرتدا. ولو صح هذا، فإن هذا القدر لا يكون معجزا، ولا يمتنع أن يتفق ذلك من الواحد منا، لكن هذا الشقي إنما اشتبه عليه، أو شبه على نفسه، لما كان في صدره من الكفر والحسد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(ثم إنكم بعد ذلك) أي: بعدما ذكرنا من تمام الخلق (لميتون) عند انقضاء آجالكم (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) أي: تحشرون إلى الموقف، والحساب، والجزاء. أخبر الله سبحانه أن هذه البنية العجيبة المبنية على أحسن إتقان وإحكام، تنقض بالموت لغرض صحيح، وهو البعث والإعادة. وهذا لا يمنع من الإحياء في القبور، لأن إثبات البعث في القيامة، لا يدل على نفي ما عداه. ألا ترى أن الله سبحانه أحيى الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف، وأحيا قوم موسى على الجبل بعد ما أماتهم. وفي الآية دلالة على فساد قول النظام في أن الانسان هو الروح. وقول معمر: إن الانسان شئ لا ينقسم وإنه ليس بجسم.
(ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) أي: سبع سماوات كل سماء طريقة وسميت بذلك لتطارقها، وهو أن بعضها فوق بعض. وقيل: لأنها طرائق الملائكة، عن الجبائي. وقيل: الطرائق الطباق، وكل طبقة طريقة، عن ابن زيد. وقيل: إن ما بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وكذلك ما بين السماء والأرض، عن الحسن.
(وما كنا عن الخلق غافلين) إذ بنينا فوقهم سبع سماوات، أطلعنا فيها الشمس، والقمر، والكواكب. وقيل: معناه ما خلقناهم عبثا، بل خلقناهم عالمين بأعمالهم وأحوالهم، عن الجبائي. وفي هذا دلالة على أنه عالم بجميع المعلومات، وفيه زجر عن السيئات، وترغيب في الطاعات.
(وأنزلنا من السماء ماء) أي: مطرا وغيثا (بقدر) أي: بقدر الحاجة، لا يزيد على ذلك فيفسد، ولا ينقص عنه فيهلك، بل على ما توجبه المصلحة (فأسكناه في الأرض) أي: جعلنا له الأرض مسكنا، جمعناه فيه لينتفع به. يريد ما يبقى في المستنقعات والدحلان (1). أقر الله الماء فيها لينتفع الناس بها في الصيف عند انقطاع