" ألم يأتكم نذير قالوا بلى " (1) فإذا كان في الأول نفيا، كان الجواب بلى وإذا لم يكن نفيا كان الجواب لا. وهذا خطاب لامة النبي " ص " فكأنه قال: أفتطمعون أيها المؤمنون أن يؤمنوا لكم من طريق النظر والاعتبار، ونفي التشبيه، والانقياد للحق وقد كان فريق منهم: أي ممن هو في مثل حالهم من اسلافهم يسمعون كلام الله ثم يعلمون انه الحق، ويعاندون فيحرفونه ويتأولونه، على غير تأويله.
وقوله: " وقد كان فريق منهم " والفريق جمع كالطائفة لا واحد له من لفظه وهو فعيل من الفرق سمي به الجمع كما سميت الجماعة بالحزب من التحزب قال أعشى بن تغلبة:
اخذوا فلما خفت ان يتفرقوا * فريقين منهم مصعد ومصوب (2) وقوله: " منهم " يعني من بني إسرائيل، وإنما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعد: من بني إسرائيل من اليهود الذين قال الله تعالى لأصحاب محمد " ص " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، لأنهم كانوا آباؤهم واسلافهم، فجعلهم منهم إذ كانوا عشائرهم وفرقهم واسلافهم.
وقوله: " يسمعون كلام الله " قال قوم منهم مجاهد والسدي: إنهم علماء اليهود يحرفون التوراة، فيجعلون الحلال حراما والحرام حلالا ابتغاء لأهوائهم وإعانة لمن يرشوهم. وقال ابن عباس والربيع وابن إسحاق والبلخي: انهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا امره، وحرفوا القول في اخبارهم لقومهم حتى رجعوا إليهم وهم يعلمون انهم قد حرفوا. وهذا أقوى التأويلين، لأنه تعالى اخبر عنهم بأنهم يسمعون كلام الله والذين سمعوا كلام الله. بلا واسطة هم الذين كانوا مع موسى. فاما هؤلاء فإنما سمعوا ما يضاف إلى كلامه بضرب من العرف دون حقيقة الوضع. ومن قال بهذا. قال: هم الذين سمعوا كلام الله الذي أوحى الله إلى موسى. وقال قوم هو التوراة التي علمها علماء اليهود.
وقوله: " ومن بعد ما عقلوه وهم يعلمون ". قيل فيه وجهان:
أحدهما - وهم يعلمون انهم يحرفونه.