خلا بعضهم إلى بعض ": أي إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم، إلى بعض منهم فصاروا في خلاء الناس، وذلك هو الموضع الذي ليس فيه غيرهم، قالوا - يعني بعضهم لبعض -: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم. وقال ابن عباس بما فتح الله عليكم أي بما ألزمكم الله به. فيقول له آخرون إنما نستهزئ بهم ونضحك. وروى سعيد ابن جبير عن ابن عباس ان معناه قالوا لا تحدثوا العرب بهذا. فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم. فأنزل الله هذه الآية: أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم انه قد اخذ له الميثاق عليكم باتباعه وهو يخبركم بأنه النبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا. اجحدوه ولا تقروا به لهم. فقال الله تعالى: " أو لا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " (1) وقال أبو العالية: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم: اي بما أنزله في كتابكم من بعث محمد صلى الله عليه وآله وبه قال قتادة وقال مجاهد: ذلك قول يهود بني قريظة حين سبهم النبي صلى الله عليه وآله بأنهم اخوة القردة والخنازير. قالوا من حدثك بهذا - حين ارسل إليهم عليا (ع) فأذوا محمدا صلى الله عليه وآله - فقال: يا اخوة القردة والخنازير قال بعضهم لبعض: ما اخبره بهذا إلا منكم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم، ليكون لهم حجة عليكم؟ وقال السدي: هؤلاء ناس آمنوا من اليهود ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم عليه منكم؟ ومثله روي عن أبي جعفر " ع " واصل الباب الفتح في لغة العرب: القضاء والنصرة والحكم.
يقال اللهم افتح بيني وبين فلان: أي احكم بيني وبينه، ومنه قوله تعالى:
" ويقولون متى هذا الفتح " (2) يعني هذا القضاء فقال تعالى: " قل يوم الفتح (3) يعني يوم القضاء. وقال الشاعر:
ألا أبلغ بني عصم رسولا * فاني عن فتاحتكم غني (4)