وثالثها - قاله مجاهد: إن كل حجر تردى من رأس جبل فهو من خشية الله ورابعها - ان الله تعالى اعطى بعض الجبال المعرفة، فعقل طاعة الله تعالى، فاطاعه كالذي روي في حنين الجذع. وما روي عن النبي " ص " أنه قال: إن حجرا كان يسلم علي في الجاهلية إني لا اعرفه الآن.
وهذا الوجه فيه ضعف، لان الجبل إن كان جمادا، فمحال أن يكون فيه معرفة الله. وإن كان عارفا بالله وبنيته بنية الحي فإنه لا يكون جبلا. وأما الخبر عن النبي (ع) فهو خبر واحد. ولو صح، لكان معناه ان الله تعالى أحيا الحجر فسلم على النبي " ص " ويكون ذلك معجزا له " ع ". واما حنين الجذع فان الله تعالى خلق فيه الحنين، فكان بذلك خارقا للعادة، لأنه إذا استند إليه النبي " ص " سكن وإذا تنحى عنه، حن. وقال قوم: يجوز أن يكون الله تعالى بنى داخله بنية حي، فصح منه الحنين وقال قوم: معنى " يهبط من خشية الله " إنه يوجب الخشية لغيره بدلالته على صانعه. كما قيل ناقة تاجرة. إذا كانت من نجابتها وفراهتها، تدعو الناس إلى الرغبة فيها: كما قال جرير بن عطية:
واعور من نبهان اما نهاره * فأعمى، واما ليله فبصير (1) فجعل الصفة لليل والنهار. وهو يريد صاحبه النبهاني الذي يهجوه بذلك من اجل انه كان فيهما على ما وصفه به. والذي يقوى في نفسي ان معنى الآية الإبانة عن قساوة قلوب الكفار، وان الحجارة ألين منها، لو كانت تلين لشئ، للانت وتفجرت منها الأنهار، وتشققت منها المياه، وهبطت من خشية الله. وهذه القلوب لا تلين مع مشاهدتها الآيات التي شاهدتها بنو إسرائيل: وجرى ذلك مجرى ما يقوله تعالى: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " (2) ومعناه لو أنزلنا هذا القرآن على جبل، وكانت الجبال ما تخشع لشئ ما، لرأيته خاشعا متصدعا وكقوله تعالى: " ولو أن قرأنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض " (3) إلى آخرها سواء. وأدخلت هذه اللامات فيها تأكيدا للخبر.