وقال قوم: إن حكمها ثابت. والمراد بها: ان الذين آمنوا بأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم من المنافقين هم واليهود، والنصارى، والصابئين إذا آمنوا بعد النفاق، واسلموا عند العناد، كان لهم أجرهم عند ربهم: كمن آمن في أول الاسلام من غير نفاق، ولا عناد، لان قوما من المسلمين قالوا: إن من أسلم بعد نفاقه، وعناده كان أجره أقل وثوابه انقص. وأخبر الله بهذه الآية أنهم سواء في الأجر والثواب.
وأولى الأقاويل ما قدمنا ذكره. وهو المحكي عن مجاهد والسدي: ان الذين آمنوا من هذه الأمة، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين من آمن من اليهود، والنصارى، والصابئين بالله واليوم الآخر، فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لان هذا أشبه بعموم اللفظ. والتخصيص ليس عليه دليل.
وقد استدلت المرجئة بهذه الآية على أن العمل الصالح، ليس من الايمان، لان الله تعالى أخبرهم عنهم بأنهم آمنوا، ثم عطف على كونهم مؤمنين. أنهم إذا عملوا الصالحات ما حكمها. قالوا: ومن حمل ذلك على التأكيد أو الفضل، فقد ترك الظاهر. وكل شئ يذكرونه مما ذكر بعد دخوله في الأول مما ورد به القرآن:
نحو قوله: " فيهما فاكهة ونخل ورمان " (1). ونحو قوله: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم، منك ومن نوح " (2). ونحو قوله: " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ". وقوله: " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله " (3). قالوا:
جميع ذلك مجاز. ولو خلينا والظاهر، لقلنا: إنه ليس بداخل في الأول. فان قالوا:
أليس الاقرار، والتصديق من العمل الصالح؟ فلابد لكم من مثل ما قلناه، قلنا عنه جوابان:
أحدهما - ان العمل لا يطلق الا على افعال الجوارح، لأنهم لا يقولون:
عملت بقلبي، وإنما يقولون: عملت بيدي أو برجلي.
والثاني - ان ذلك مجاز، وتحمل عليه الضرورة. وكلامنا مع الاطلاق.