وكان من الحجة عليهما في ذلك لأبي حنيفة وزفر رحمهما الله ما ذكرنا من شرح معاني هذه الآثار وحجة أخرى وهي أن السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم هل كان قارنا أو مفردا أو متمتعا فإن كان مفردا فأبو حنيفة رحمه الله وزفر لا ينكران أن يكون لا يجب عليه في ذلك دم لان ذلك الذبح الذي قدم عليه الحلق ذبح غير واجب ولكن كان أفضل له أن يقدم الذبح قبل الحلق ولكنه إذا قدم الحلق أجزأه ولا شئ عليه وإن كان قارنا أو متمتعا فكان جواب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على ما ذكرنا فقد ذكرنا عن ابن عباس في التقديم في الحج والتأخير أن فيه دما وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج لا يدفع ذلك فلما كان قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حرج لا ينفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجوب الدم كان كذلك أيضا لا ينفيه عند أبي حنيفة وزفر رحمهما الله وكان القارن ذبحه ذبح واجب عليه يحل به فأردنا أن ننظر في الأشياء التي يحل بها الحاج إذا أخرها حتى يحل كيف حكمها فوجدنا الله عز وجل قد قال ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فكان المحصر يحلق بعد بلوغ الهدي محله فيحل بذلك وإن حلق قبل بلوغه محله وجب عليه دم وهذا إجماع فكان النظر على أن يكون كذلك القارن إذا قدم الحلق قبل الذبح الذي يحل به أن يكون عليه دم قياسا ونظرا على ما ذكرنا من ذلك فبطل بهذا ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وثبت ما قال أبو حنيفة رحمه الله أو ما قال زفر رحمه الله فنظرنا في ذلك فإذا هذا القارن فحلق رأسه في وقت الحلق عليه حرام وهو في حرمة حجة وفي حرمة عمرة وكان القارن ما أصاب قرانه مما لو أصابه وهو في حجة مفردة أو عمرة مفردة وجب عليه دم فإذا أصابه وهو قارن وجب عليه دمان فاحتمل أن يكون حلقه أيضا قبل وقته يوجب عليه أيضا دمين كما قال زفر فنظرنا في ذلك فوجدنا الأشياء التي توجب على القارن دمين فيما أصاب في قرانه هي الأشياء التي لو أصابها وهو في حرمة حجة أو في حرمة عمرة وجب عليه دم فإذا أصابها في حرمتهما وجب عليه دمان كالجماع وما أشبهه وكان حلقه قبل أن يذبح لم يحرم عليه بسبب العمرة خاصة ولا بسبب الحج خاصة إنما وجب عليه بسببهما وبحرمة الجمع بينهما لا بحرمة الحجة خاصة ولا بحرمة العمرة خاصة فأردنا أن ننظر في حكم ما يجب بالجمع هل هو شيئان أو شئ واحد فنظرنا في ذلك فوجدنا الرجل إذا أحرم بحجة مفردة أو بعمرة مفردة لم يجب عليه شئ وإذا
(٢٣٩)