وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما الوقوف بعرفة فهو من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته وأما الوقوف بمزدلفة فليس كذلك وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول الله عز وجل فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ليس فيه دليل على أن ذلك على الوجوب لان الله عز وجل إنما ذكر الذكر ولم يذكر الوقوف وكل قد أجمع أنه لو وقف بمزدلفة ولم يذكر الله عز وجل أن حجه تام فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج فالموطن الذي يكون ذلك الذكر فيه الذي لم يذكر في الكتاب أحرى أن لا يكون فرضا وقد ذكر الله تعالى أشياء في كتابه من الحج ولم يرد بذكرها إيجابها حتى لا يجزئ الحج إلا بإصابتها في قول أحد من المسلمين من ذلك قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وكل قد أجمع أنه لو حج ولم يطف بين الصفا والمروة أن حجه قد تم وعليه دم مكان ما نزل من ذلك فكذلك ذكر الله عز وجل المشعر الحرام في كتابه ليس في ذلك دليل على إيجابه حتى لا يجزئ الحج إلا بإصابته وأما ما في حديث عروة بن مضرس فليس فيه دليل أيضا على ما ذكروا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال فيه من صلى معنا صلاتنا هذه وقد كان أتى عرفة قبل ذلك من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه فذكر الصلاة وكل قد أجمع على أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الامام حتى فاتته أن حجه تام فلما كان حضور الصلاة مع الامام المذكور في هذا الحديث ليس من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته كان الموطن الذي تكون فيه تلك الصلاة الذي لم يذكر في الحديث أحرى أن لا يكون كذلك فلم يتحقق بهذا الحديث ذكر الفرض إلا لعرفة خاصة وقد روى عبد الرحمن بن يعمر الديلي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعلى بن عبيد قال ثنا سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات فأقبل أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال الحج يوم عرفة ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة أيام أيام
(٢٠٩)