عن الملكين، وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز وجل، فأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه، ونهاهم أن يسحروا به الناس.
وهذا كما يدل على السم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السم، ثم قال عز وجل:
وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) يعنى أن ذلك النبي عليه السلام أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلماهم ما علمهما الله من ذلك، فقال الله عز وجل: (وما يعلمان من أحد) ذلك السحر وإبطاله (حتى يقولا) للمتعلم: (إنما نحن فتنة) وامتحان للعباد ليطيعوا الله عز وجل فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة ولا يسحروهم (فلا تكفر) باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فان ذلك كفر.
قال الله عز وجل: (فيتعلمون) يعنى طالبي السحر (منهما) يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النير نجات ومما (أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت) يتعلمون من هذين الصنفين ما يفرقون به بين المرء وزوجه، هذا ما يتعلم الإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والتمايم والإيهام وأنه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل والرجل إلى المرأة، ويؤدي إلى الفراق بينهما، فقال عز وجل: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي ما المتعلمون بذلك بضارين من أحد إلا بإذن الله، يعنى بتخلية الله وعلمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر ثم قال: (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم، ولا ينفعهم فيه، بل ينسلخون عن دين الله بذلك (ولقد علموا) هؤلاء المتعلمون (لمن اشتريه) بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه (ماله في الآخرة من خلاق) أي من نصيب في ثواب الجنة، ثم قال عز وجل:
(وبئس ما شروا به أنفسهم) ورهنوها بالعذاب (لو كانوا يعلمون) أنهم قد باعوا الآخرة وتركوا نصيبهم من الجنة، لان المتعلمين لهذا السحر الذين يعتقدون أن لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور.