إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون مدبرون، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والادلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس ان ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال أيضا: (من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها). وقال أيضا:
﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ (١) وقال أيضا:
﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾ (2) وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، وهكذا الرضا
والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما 1) لجاز لقائل أن يقول: إن المكون يبيد يوما ما، لأنه إذا دخله الضجر
والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا، هو الخالق
____________________
ومجاهد، وغضب الله سبحانه على العصاة إرادة عقابهم (3)، ورضاه عن المطيعين إرادة ثوابهم، وقيل: معناه: آسفوا رسلنا، لان الأسف بمعنى الحزن على الله سبحانه انتهى (4).
1) إشارة إلى وجه آخر لاستحالة ذلك، كما مر من أن الله لا يوصف بخلقه، وأشار عليه السلام آخرا إلى أن الاحتياج إلى الغير ما في الخالقية ووجوب الوجود، كما هو المشهور.