وفي قوله سبحانه: " وقالوا " أي اليهود " لن تمسنا النار " أي لن تصيبنا " إلا أياما معدودة " أي أياما قلائل كقوله: " دراهم معدودة (1) " وقيل: معدودة: محصاة، قال ابن عباس ومجاهد: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة واليهود تزعم أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما واحدا ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال أبو العالية وعكرمة وقتادة: هي أربعون يوما، لأنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل، فقال سبحانه: " قل " يا محمد لهم " أتخذتم عند الله عهدا " أي موثقا لان لا يعذبكم إلا هذه المدة، وعرفتم ذلك بوحيه وتنزيله؟ فإن كان ذلك فالله سبحانه لا ينقض عهده وميثاقه " أم تقولون على الله مالا تعلمون " أي الباطل جهلا منكم به وجرأة عليه، ثم رد عليهم فقال: " بلى " أي ليس الامر كما قالوا، ولكن " من كسب سيئة " اختلف في السيئة فقال ابن عباس وغيره: السيئة هنا الشرك، وقال الحسن: هي الكبيرة الموجبة، وقال السدي: هي الذنوب التي أوعد الله عليها النار، والقول الأول يوافق مذهبنا لان ما عدا الشرك لا يستحق به الخلود في النار عندنا، وقوله: " وأحاطت به خطيئته " يحتمل أمرين: أحدهما أنها أحدقت به من كل جانب والثاني أن المعنى: أهلكته، من قوله: " إلا أن يحاط بكم (2) وقوله: فظنوا أنهم أحيط بهم (3) " وقوله: " وأحيط بثمره (4) فهذا كله بمعنى البوار والهلكة، والمراد أنها سدت عليه طريق النجاة " فأولئك أصحاب النار " أي يصحبونها ويلازمونها " هم فيها خالدون " أي دائمون أبدا، والذي يليق بمذهبنا من تفسير هذه الآية قول ابن عباس، لان أهل الايمان لا يدخلونها في حكم الآية. وقوله: " وأحاطت به خطيئته " يقوي ذلك لان المعنى: قد اشتملت خطاياه عليه وأحدقت به حتى لا يجد عنها مخلصا ولا مخرجا، ولو كان معه شئ من الطاعات لم تكن السيئة محيطة به من
(٢٣٦)