عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ٣ - الصفحة ٥٩٨
(56) وروى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال: سألته عن رجل قتل، فحمل إلى الوالي، وجاء قوم فشهدوا عليه انه قتله عمدا، فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يبرحوا حتى اتاهم رجل فأقر عند الوالي انه قتل صاحبهم عمدا وان هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبهم فلا تقتلوه، وخذوني بدمه. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: (أن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه، فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الاخر، ولا سبيل لورثة الذي أقر على نفسه ورثة الذي شهدوا عليه. وان أرادوا أن يقتلوا الذي شهدوا عليه، فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الذي أقر، ثم يؤدى الذي أقر على نفسه إلى ورثة الذي شهدوا عليه نصف الدية). قلت: إن أرادوا أن يقتلوهما جميعا؟ قال: (ذاك لهم، وعليهم أن يؤدوا إلى أولياء الذي شهدوا عليه نصف الدية خاصة دون صاحبه، ثم يقتلوهما به). قلت: إن أرادوا أن يأخذوا الدية؟
قال: (الدية بينهما نصفان، لان أحدهما أقر والاخر شهد عليه) قلت: كيف صار لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقر به نصف الدية حين قتل، ولم يجعل لأولياء الذي أقر على الذي شهد عليه ولم يقر؟ قال: فقال: (لان الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقر. الذي شهد عليه لم يقر ولم يبرء صاحبه، والاخر أقر وأبرء صاحبه، فلزم الذي أقر وأبرء صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر ولم يبرء صاحبه) (1) (2).

(١) التهذيب: ١٠، كتاب الديات، باب البينات على القتل، حديث: ١٨.
(٢) هذه الرواية من الصحاح ومن المشاهير بين الأصحاب، لكنها مشتملة على مخالفة الأصول المقررة من وجهين، الأول: جواز قتلهما معا، لان الاشتراك لا دليل عليه ولا موجب له، إذ كل واحد من الحجتين أعني البينة والاقرار إنما يقتضى الانفراد لا الاشتراك قاله فخر المحققين. الثاني: انها تضمنت ان للولي أن يستوفى أكثر من الذي له لأنه على تقدير جواز قتلهما، الواجب أن ير دية كاملة، لأنه قتل اثنين وليس له الا واحد، والذي في الرواية ليس إلا أنه يرد نصف الدية إلى ورثة المشهود عليه، والوجه في اختصاص الرد ان المقر أسقط حقه من الرد فبقي المشهود عليه.
وهذا التقرير على تقدير ان الولي يقول: أنا لا أعلم القاتل منهما، فأما لو ادعى العلم وخصص دعواه بأحدهما، كان له قتله وسقط حكم الاخر. والشيخ في النهاية عمل بمضمونها وكذلك التقى وابن الجنيد، واستشكلها ابن إدريس فقال: ولى في قتلهما جميعا نظر، منشأه مما تقدم، وكذلك العلامة استشكلها من هذا الوجه واختار في آخر البحث ان الولي يتخير في قتل أيهما لحكم البينتين المتعارضتين. والأقوى العمل بالرواية لصحة سندها ولصراحتها في معناها، فكلما يرد عليها اجتهاد في مقابلة النص فلا يكون مسموعا (معه).
(٥٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 593 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 ... » »»
الفهرست