عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ٣ - الصفحة ٤٨٣
باب اللقطة (1) روى زيد بن خالد الجهني قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: " أعرف عقاصها ووكائها، ثم عرفها سنة، فان جاء صاحبها، والا فاستمتع بها " فسأله عن ضالة الغنم؟ فقال: " خذها، إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " فسأله عن ضالة البعير؟ فقال: " مالك ولها "، وغضب حتى احمرت وجنتاه، أو وجهه، وقال: " مالك ولها، ومعها حذائها وسقائها، ترد المياه وتأكل الشجر " (1).
(2) وفي بعض الروايات: " مالك ولها، معها حذائها وسقائها حتى يأتي ربها " (2) (3).

(١) صحيح مسلم: ٣، كتاب اللقطة، حديث: ٢.
(٢) صحيح مسلم: ٣، كتاب اللقطة، حديث: 1، مع تقديم وتأخير لبعض العبارات فيهما.
(3) هذه الرواية تدل على أمور، الأول: ان اسم اللقطة موضوع لما عدى الحيوان من الأموال الضائعة، وان الضائع من الحيوان يسمى ضالة.
الثاني: حكم اللقطة، ان الملتقط يجب عليه معرفة علامات ما التقطه، وكونه على حفظه، وفائدته ان المالك إذا جاء يسأل عنها، سأله عن صفاتها، فإذا وافق قوله ما عرف من تلك الصفات، عرف أنه المالك لها، وفائدته، جواز الدفع إليه بذلك وإن لم يقم بينة، وإن لم يجب الدفع الا معها، لان الوصف امارة مرجحة يفيد ظنا غالبا بصدق المدعى.
الثالث: وجوب تعريفها سنة من حين الالتقاط.
الرابع: انه متى جاء صاحبها في أثناء الحول أو بعده قبل التملك وجب الدفع إليه.
الخامس: انه إذا لم يأت طول الحول مع التعريف فيه، جاز للملتقط الانتفاع باللقطة بعد نيته التملك. ويدل عليه ان السين سين الطلب، الدالة على طلب الملك، فعلمنا توقف الاستمتاع على نية التملك، وليس الامر هنا للوجوب حتى يجب عليه تملكها بعد الحول، بل له ابقائها أمانه، وإنما الامر هنا للإباحة، لأنه أمر بعد الحظر وقد علم من الأصول ان الأغلب في الامر الواقع بعد الحظر، للإباحة.
السادس: ان ضالة الغنم يجوز أخذها والتصرف فيها بغير تعريف، لكن ذلك مشروط بكونها في الفلاة بدلالة قوله: (أو للذئب) لان الخوف عليها متحقق لعدم امتناعها من صغير السباع، فيكون ما لا ضائعا، فجاز الانتفاع بها، وهل يجب الضمان لصاحبها لو ظهر؟ ليس في الحديث ما يدل عليه ولا على عدمه، والظاهر وجوب الضمان جمعا بين الحقين.
السابع: ان ضالة البعير لا يجوز التعرض لها بحال، لما علله عليه السلام من عدم الخوف عليه من التلف، من حيث إن له حذاء وسقاء وانه عالم بورود المياه ومنابت الشجر، فلا تلف عليه، فوجب تركه على حاله حتى يجئ إليه صاحبه، ولأنه لا يقدر عليه شئ من السباع. وفيه دلالة على أن النهى عن أخذ البعير مشروط بكونه صحيحا، لا علة به ولا مرض، ويكون في كلاء وماء، فأما إذا ترك من جهد في غير كلاء ولا ماء، جاز أخذه، لأنه حينئذ في محل التلف، فمن أخذه وأنقذه من التلف، ملكه (معه).
(٤٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 ... » »»
الفهرست