بين أن يترك العمل خوفا من أن يقولوا: انه مراء، وبين أن يحسن العمل خوفا من أن يقولوا: انه غافل مقصر؟.
الثالث طاعة الشيطان فيما دعا إليه وحصول سرور له لان همه أن يطاع.
واعلم أن للنفس هنا مكيدة خبيثة من مكائد الشيطان الخبيث فتحفظ منها وتفطن لها وهو ان يقول لك: اترك العمل اشفاقا على المؤمنين من وقوعهم في الاثم بظن السوء، وإذا كان ترك العمل على جهة الاشفاق عليهم ونظرا لهم من الوقوع في الاثم كنت مثابا، وقام ذلك مقام العمل لان نظر المصلحة للمسلمين حسنة فيعادل الثواب الحاصل من الدعاء بل هذا نفع متعد إلى الغير فكان أفضل.
والجواب ان هذا الخيال من غوايل (1) النفس الامارة المايلة! إلى الكسل والبطالة ومكيدة عظيمة من الشيطان الخبيث لما لم بجد إليك مسلكا قصدك من هذا الطريق وزين لك هذا التنميق (2) ووجه فساده يظهر من وجوه:
الأول انه عجل لك الوقوع في الاثم المتيقن فإنك ظننت ان يظنوا بك أنك مراء وهذا ظن سوء، وعلى تقدير وقوعه منهم يلحقهم به اثم، وظنك هذا بهم أيضا ظن سوء يلحقك به الاثم إذا لم يكن مطابقا لما ظننت بهم (3) وتركت العمل من أجله فعدلت من ظن موهوم إلى اثم معلوم، وحذرا من لزوم اثم لغيرك أوقعت فيه نفسك.
الثاني انك إذا وافقت إرادة الشيطان بترك العمل الذي هو مراده، وترك العمل والبطالة موجب لاجتراء الشيطان عليك وتمكنه منك لان ذكره تعالى والتولي (المثول) (4) في خدمته يقربك منه، وبقدر ما تقرب منه تبعد من الشيطان، وا ن فيه موافقه للنفس الامارة بميلها إلى الكسل والبطالة وهما ينبوع آفات كثيرة تعرفها إن كان لك بصيرة.