عدة الداعي - ابن فهد الحلي - الصفحة ٢١٠
شيئا فنزل قوله تعالى ﴿قل إنما انا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ (١) والتحقيق ان السرور باطلاع الناس إلى قسمين محمود ومذموم والمحمود ثلاثة:
الأول أن يكون من قصده اخفاء الطاعة والاخلاص لله سبحانه، ولكن لما اطلع عليه الخلق علم أن الله تعالى اطلعهم عليه واظهر لهم الجميل من عمله تكرما منه وتفضلا وهو من صفاته تعالى الا تراه يدعى؟ (يا من أظهر الجميل وستر القبيح) وفى بعض وحيه جل جلاله عملك الصالح عليك ستره وعلى اظهاره، فيستدل بذلك على حسن صنع الله به ونظره له ولطفه به، فان العبد يستر الطاعة والمعصية، والله بكرمه ستر المعصية وأظهر الطاعة، ولا لطف أعظم من ستر القبيح واظهار الحسن فيكون فرحه بجميل صنع الله لا بحمد الناس وحصول المنزلة في قلوبهم ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا﴾ (2).
الثاني ان يستدل باظهار الجميل وستر القبيح في الدنيا انه تعالى كذلك يفعل به في الآخرة إذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما ستر الله على عبد في الدنيا الا ستر عليه في الآخرة الثالث ان يحمده المطلعون عليه فستره طاعتهم لله في ذلك ومحبته لمحبتهم طاعة الله، ومن اطاعه وميل قلوبهم إلى الطاعة، فان من الناس من يرى أهل الطاعة فيمقتهم ويحسدهم ويهز لهم وينسبهم إلى التصنع فهذا النوع من الفرح حسن ليس بمذموم، وعلامة الاخلاص في هذا النوع بان لا يزيده اطلاعهم هزة في العمل بل يستوى حالتاه في اطلاعهم وعدمه، وان وجده من (في) النفس هزة وزيادة في النشاط فليعلم انه مراء فليجتهد في ازالته برادع العقل والدين، والا فهو من الهالكين (3).

(١) مريم: ١١٠.
(٢) يونس: ٥٨.
(3) عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سئلته عن الرجل يعمل الشئ من الخير فيراه انسان فيسره ذلك قال: لا بأس ما من أحد الا وهو يحب ان يظهر له في الناس الخير ا ذا لم يكن يصنع ذلك لذلك. قال في (مرآة) قوله: ما من أحد أي الانسان مجبول على ذلك لا يمكنه رفع ذلك عن نفسه فلو كلف به لكان تكليفا بما لا يطاق قوله: إذا لم يكن الخ أي لم يكن باعثه على أصل الفعل أو على ايقاعه على الوجه الخاص ظهوره في الناس وقيل: هذا ينافي ما روى:
ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب ان يحمد على شئ من عمل الله - ثم قال في المجمع بينهما -: وقد جمع بينهما صاحب العدة - وهو الوجوه الثلاثة المذكورة في المتن ثم قال:
وأقول: يمكن أن يكون ذلك باعتبار اختلاف درجات الناس ومراتبهم فان تكليف مثل ذلك بالنظر إلى أكثر الخلق تكليف بما لا يطاق، ولا ريب في اختلاف التكاليف بالنسبة لي أصناف الخلق بحسب اختلاف استعداداتهم وقابليتهم.
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست