فلينظر العاقل بعين صافية وفكرة سليمة ويتحقق انه لو يكون في الدنيا والاكثار منها خير لم يفت هؤلاء الأكياس الذين هم خاصة (خلاصة) الخلق وحجج الله على ساير الناس، بل تقربوا إلى الله بالبعد عنها حتى قال أمير المؤمنين (ع):
قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها.
وقال رسول الله (ص): ما يعبد الله بشئ مثل الزهد في الدنا وقال عيسى (ع) للحواريين: ارضوا بدني الدنيا مع سلامة دينكم كما رضى أهل الدنيا بدني الدين مع سلامة دنياهم وتحببوا إلى الله بالبعد منهم، وارضوا الله في سخطهم فقالوا: فمن نجالس يا روح الله؟ فقال: من يذكر كم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله.
فصل وكيف يرغب العاقل عن حب المسكنة والمساكين وهو يرى الأولياء والأوصياء على هذه الأوصاف؟ بل وظيفة القيام بخدمة الصانع وامتثال أوامر الرسل والشرايع واحياء دين الله واعزاز كلمته ونصرة الرسل وانتشار دعواهم من لدن آدم (ع) إلى زمان نبينا محمد (ص) لم يقم الا بأولى الفقر والمسكنة، أو لا تسمع ما قص الله سبحانه وتعالى عليك في كتابه العظيم على لسان نبيه الكريم؟ وابان لك ان المتصدي لانكار الشرايع، والمقدم على جحود الصانع إنما هم الأغنياء المترفون، والاشراف المتكبرون فقال مخبرا عن قوم نوح إذ عيروه وازدرؤا (١) العصابة الذين اتبعوه وهم فيما قالوه متبجحون: ﴿أنؤمن لك واتبعك الأرذلون﴾ (٢) ﴿وما نريك أتعبك الا الذين هم أراذلنا بادي الرأي﴾ (٣) وقالوا لشعيب: ﴿انا لنريك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز﴾ (4) وقال المستكبرون من قوم صالح للذين استضعفوا لمن آمن