على ذلك وان كنت مع الناس ترى نفسك أيضا مخلصا لا يشوبك شائبة قط فذلك أعلى درجات المخلصين ان يستوى غيبة الخلق وحضورهم عنده، وإنما يتم ذلك بحقيقة المعرفة بالله وبالخلق، وشرف النفس وعلو الهمة، فاستوى عنده وجودهم وعدمهم.
ولعل إلى هذا أشار صلى الله عليه وآله بقوله: يا أبا ذر لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس أمثال الأباعر فلا يحفل بوجودهم (1) ولا يغيره ذلك كما لا يغيره وجود بعير عنده هكذا قيل، وتمام الخبر يدل على معنى آخر، وهو ان المراد بذلك وضع النفس لان تمام الخبر: ثم يرجع إلى نفسه فيكون أعظم حاقر لها.
ومثل هذا ما حدثني به بعض أصحابنا ان الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام:
إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيرا منه، فجعل موسى لا يعترض (يعرض) أحدا الا وهو لا يجسر (يجترئ) ان يقول: انى خير منه، فنزل عن الناس وشرع في أصناف الحيوانات حتى مر بكلب أجرب (2) فقال: أصحب هذا فجعل في عنقه حبلا ثم مر (جر) به فلما كان في بعض الطريق شمر الكلب من الحبل وأرسله، فلما جاء إلى مناجاة الرب سبحانه قال: يا موسى أين ما أمرتك به؟ قال: يا رب لم أجده فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لو أتيتني بأحد لمحوتك من ديوان النبوة (3).
توضيح وتقسيم: خطرات الرياء ثلاثة:
الأول ما يدخل قبل العمل فيبعث على الابتداء لرؤية المخلوقين، وليس له باعث الدين فهذا يجب أن يترك لأنه معصية لاطاعة فيها أصلا، وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله