وكم نشرع في الدعاء بالتكلف من غير اقبال ويكون آخره البكاء والابتهال والالحاح في السؤال، بل ترك الدعا والسؤال مقس للقلب ومظلم له حتى لا يكاد على طول تركه تميل النفس إليه أصلا، وإذا اعتيد ألفته وعشقته وعاد هواها ومشتهاها.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: الخير عادة.
وكثيرا ما نرى من تتوق (1) نفسه في أوقات إلى البكاء والدعا كما تتوق نفس المريض إلى العافية والشفاء، والعطشان إلى لذيذ الشراب والماء، وإذا جلس متخليا بربه يلقى ذلك راحة لنفسه، وفراغا لسره وراحة لعقله، وطمأنينة لقلبه، ونورا مشرقا قد جلله، وتاج تكلله، وصار جليسا لربه، ومحادثا لخالقه ومقترحا على رازقه.
ومناديا لمالك دار الفناء ودار البقاء ومشرفا بحضرة سلطان السماء.
سئل الصادق عليه السلام: ما بال المجتهدين (المجتهدين) انهم من أحسن الناس وجها؟
قال: لأنهم خلوا بالله سبحانه فكساهم من نوره.
عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام قال: كان فيما أوحى الله إلى موسى بن عمر ان عليه السلام: كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام، يا بن عمران لو رأيت الذين يصلون لي في الدجى وقد مثلت نفسي بين أعينهم يخاطبوني وقد جليت عن المشاهدة، وتكلموني وقد عززت عن الحضور، يا بن عمران هب لي من عينيك الدموع من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع، ثم ادعني في ظلم الليالي تجدني قريبا مجيبا.
وعن علي بن محمد النوفلي قال: سمعته عليه السلام: يقول: ان العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يمينا وشمالا وقد وقع ذقنه على صدره فيأمر الله أبواب السماء فتفتح، ثم يقول للملائكة انظروا إلى عبدي ما يصيبه من (في) التقرب إلى بما لم افترضه عليه راجيا منى ثلاث خصال: ذنب اغفر له، أو توبة أجددها له، أو رزقا أزيده فيه اشهدوا