وهنا مكيدة أخرى للشيطان أضيق من الأولى فاجهد في سدها ولا تسلطه على فتح بابها فيفتحها فإذا فتحها قوى على غيرها، وهو ان يقول لك الشيطان: اترك ا لعمل لئلا يظن الناس بك خيرا وتشتهر به وأحب العباد إلى الله الأتقياء الأخفياء (1) وإذا عرفت بين الناس بالعبادة لم يكن لك حظ في هذا الوصف.
فاعلم أن الواجب عليك مراعاة قلبك ولا عليك إذا رأوك أو شهرت وقلبك واحد من علمهم بك وعدمه، وكيف لا تشتهر وهو تعالى يقول: عليك ستره وعلى اظهاره بل عليك التحفظ من قلبك ان لا يكون فيه ميل لمحبة ذلك بالتفكر في قلة الجدوى بمدحهم وذمهم والزهد فيهم، والنظر إلى احتياجك في عرصة القيامة إلى عملك، والفكر في نعيم الآخرة فلا تترك العمل فان الآفة كل الآفة في ترك العمل فان العمل مطردة للشيطان، وسبب الخشوع وتنشط النفس، وتشوقها إلى عمل الآخرة، وترك العمل على الضد من ذلك.
فان قلت: يمنعني عن الدعاء وعن كثير من الافعال البر تعذر الاتيان بها على حقيقة الاخلاص على ما عرفت الاخلاص بقوله: ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب ان يحمد على شئ من عمل الله (2) وان الانسان يعمل لله مخلصا لكن إذا عرفه الناس ربما اثنى عليه بذلك فيسره ولا يكاد ينفك عن هذا الا فيما يقل، وكذا الانسان يكون في الصلاة والدعاء مخلصا الله سبحانه فربما يطلع عليه مطلع فيسره ذلك، وقد ذكرت ان الرياء مع ما فيه من فوات الثواب يؤدى إلى اليم العذاب.
فاعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن ذلك فيما رواه المفسرون عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: انى أتصدق وأصل الرحم، ولا أ صنع ذلك الا لله ،.
فيذكر منى واحمد عليه فيسرني ذلك واعجب به (3) فكست رسول صلى الله عليه وآله ولم يقل: