الثالث مما يدلك ان هذا من غوائل النفس وميلها إلى البطالة انك لما نظرت إلى فوات الثواب الحاصل لك من البطالة والى فوات وقوعهم في الاثم آثرتهم (1) على نفسك بتخفيف ما يلزمهم من الاثم بسوء الظن. وحرمت نفسك الثواب، وتفكر في نفسك وتمثل في قلبك بعين الانصاف ولو حصل بينك وبينهم في شئ من حظوظ العاجلة منازعة اما في دار أو مال، أو ظهر لك نوع معيشة تظن فيها فايدة وحصول مال كنت تؤثرهم على نفسك وتتركه لهم؟ كلا والله بل كنت تناقشهم مناقشة المشاقق وتستأثر عليهم (2) فيما يظهر لك من أنواع المعيشة ان أمكنك فرصة الاستيثار وتقلى (3) الحبيب وتقصى القريب، وكم رأينا من هاجر قرينه وجفاه، وابعد ابنه وخلاه وكم من صديقين تطاولت لهما الصداقة وتمادت بهم الملاطفة والاخوة برهة مديدة من الزمان حتى دخلت الدنيا بينهما بمعاملة أو مشاركة فرقت بينهما.
وسبب ذلك محبة الاستيثار، فدل ذلك على أن تركك العمل ليس شفقة عليهم ورحمة لهم، وإنما هو نزعة من نزعات الشيطان، وميل النفس إلى الدعة والراحة، وإذا لم ترض بترك حطام الدنيا لهم كيف تترك عمل الآخرة؟! وهو أنفس وأنت إليه أحوج في فاقة القيامة وهو أبقى لك من حظوظ الدنيا فهل هذا الا استثقالا منك للعمل؟ وميلا إلى الدعة، وتتعلل بما زين لك الشيطان من مخائله الباطلة ونعاته المعطلة، وإذا اشتغلت بالعمل نفعت نفسك وعصيت عدوك ونفعت عباد الله، فإنهم ربما وافقوك عليها فيحصل لك مثل ثوابهم إذا كنت السبب فيها، ومن سن سنة حسنة كان له أجر من يعمل بها، وما يدريك؟ لعل فيهم من يريد العمل فقد ظن مثل ما ظننت فبادر إلى سد باب الشيطان ونشر عبادة الرحمن، وقد ورد عنهم عليهم السلام في معنى هذا الكلام: العاقل لا يفعل شيئا من الخير رياء ولا يتركه حياء.