بل وجود الناس وعدمهم واحد عنده بالنسبة إلى مقدار العمل وكيفيته، وانه يكره بعقله اطلاعهم عليه، لكنه مع ذلك غير خال عن ميل الطبع إليه، وحبه له وسروره به الا انه كاره لحبه وميله، ومبغض له بعقله وزار في ذلك على نفسه، فهل يكون بذ لك في زمرة المرائين؟
فالجواب ان الله سبحانه لم يكلف العبد الا ما يطيق، وليس في طاقة العبد منع الشيطان عن نزعاته، ولا قمع الطبع عن مقتضياته حتى لا يميل إلى الشهوات أصلا، ولا ينازع إليها البتة فان ذلك غير مقدور للانسان، ولهذا بشر النبي صلى الله عليه وآله بالعفو عنها حذرا من القنوط، ودفعا للحرج وتقريبا إلى الله تعالى وطمعا في رحمته الواسعة حيث يقول صلى الله عليه وآله: عفى الله لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تنطق به أو تعمل به (1) لان حركة اللسان والجوارح مقدوران بخلاف خطرات الأوهام ووساوس القلب، وهذا أمر بين يجده كل عاقل، نعم يجب مقابلة هذه الخطرات بأضدادها ومقابلة شهواتها بكراهتها، وينشأ ذلك من معرفة العواقب وعلم الدين ورادع العقل، فإذا فعل ذلك فهو الغاية في أداء ما كلف به لان الخواطر المهيجة للرياء من الشيطان، والميل بعد ذلك من خواطر النفس الامارة، والكراهة من الايمان ورادع القلب.