.. فأما البرهان الذي رآه فيحتمل أن يكون لطفا لطف الله تعالى له به في تلك الحال أو قبلها اختار عنده الانصراف عن المعاصي والتنزه عنها ويحتمل أيضا ما ذكره أبو علي وهو أن يكون البرهان دلالة الله تعالى له على تحريم ذلك وعلى أن من فعله يستحق العقاب وليس يجوز أن يكون البرهان ما ظنه الجهال من رؤية صورة أبيه يعقوب عليه السلام متوعدا له أو النداء له بالزجر والتخويف لأن ذلك ينافي المحنة وينقض الغرض بالتكليف ويقتضي أن لا يستحق على امتناعه وانزجاره مدحا ولا ثوابا وهذا سوء ثناء على الأنبياء واقدام على قرفهم بما لم يكن منهم والحمد الله على حسن التوفيق.. روى أحمد ابن عبد الله بن العباس الصولي الملقب بطماس قال كنت يوما عند عمى إبراهيم بن العباس فدخل إليه رجل فقربه حتى جلس إلى جانبه أو قريبا منه ثم حادثه إلى أن قال له عمى يا أبا تمام ومن بقي ممن يعتصم به ويلجأ إليه فقال أنت لا عدمت وكان إبراهيم طويلا أنت والله كما قيل يمد نجاد السيف حتى كأنه * بأعلى سنامي فالج يتطوح ويندلج في حاجات من هو نائم * ويورى كريمات الندى حين يقدح إذا اعتم بالبرد اليماني خلته * هلالا بدا في جانب الأفق يلمح يزيد على فضل الرجال فضيلة * ويقصر عنه مدح من يتمدح فقال له إبراهيم أنت تحسن قائلا وراويا ومتمثلا فلما خرج تبعته وقلت له أكتبني الأبيات فقال هي لأبي الجويرية العبدي فاخذها من شعره.. وروى عن يحيى بن البحتري قال رأيت أبى يذاكر جماعة من أمراء أهل الشام بمعان من الشعر فمر فيها ذكر قلة نوم العاشق وما قيل فيه فأنشدوا انشادات كثيرة فقال لهم أبي قد فرغ من هذا كاتب كان بالعراق فقال أحسب النوم حكاكا * إذ رأى منك جفاكا مني الصبر ومنك * الهجر فابلغ بي مداكا
(١٢٩)