بالبيتين ألفي دينار وما كانا يساويان عندي درهمين (مجلس آخر 35) [تأويل آية].. إن سأل سائل عن قوله تعالى (خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون).. الجواب قيل له قد ذكر في هذه الآية وجوه من التأويل نحن نذكرها ونرجح الأرجح منها.. أولها أن يكون معنى القول المبالغة في وصف الانسان بكثرة العجلة وانه شديد الاستعجال لما يؤثره من الأمور لهج باستدناء ما يجلب إليه نفعا أو يدفع عنه ضررا ولهم عادة في استعمال مثل هذه اللفظة عند المبالغة كقولهم لمن يصفونه بكثرة النوم ما خلقت إلا من نوم وما خلق فلان إلا من شر أرادوا كثرة وقوع الشر منه وربما قالوا ما أنت إلا أكل وشرب وما أشبه ذلك.. قالت الخنساء تصف بقرة ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت * فإنما هي إقبال وإدبار وإنما أرادت ما ذكرناه من كثرة وقوع الاقبال والادبار منها ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى في موضع آخر (وكان الانسان عجولا) ويطابقه أيضا قوله تعالى (فلا تستعجلون) لأنه وصفهم بكثرة العجلة وان من شأنهم فعلها توبيخا لهم وتقريعا ثم نهاهم عن الاستعجال باستدعاء الآيات من حيث كانوا متمكنين من مفارقة طريقتهم في الاستعجال وقادرين على التثبت والتأيد.. وثانيها ما أجاب به أبو عبيدة وقطرب بن المستنير وغيرهما من أن في الكلام قلبا والمعنى خلق العجل من الانسان واستشهد على ذلك بقوله تعالى (وقد بلغني الكبر) أي قد بلغت الكبر وبقوله تعالى (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) والمعنى ان العصبة تنوء بها وتقول العرب عرضت الناقة على الحوض وإنما هو عرضت الحوض على الناقة وقولهم إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحرباء يريدون استوى الحرباء على العود وبقول الأعشى لمحقوقة أن تستجيبي لصوته * وأن تعلمي أن المعان موفق
(١١٥)