ونظائر هذا كثير في كلام العرب ولما أراد تعالى المبالغة في وصف ما يفعله به من الثواب والمجازاة على تقربه بالكثرة والزيادة كنى عن ذلك بذكر المسافة المتضاعفة فقال باعا وذراعا إشارة إلى المعنى من أبلغ الوجوه وأحسنها (مجلس آخر 24) [تأويل آية].. ان سأل سائل فقال ما تأويل قوله تعالى (إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) وكيف يجوز أن تبلغ القلوب الحناجر مع كونهم أحياء ومعلوم ان القلب إذا زال عن موضعه المخلوق فيه مات صاحبه وعن أي شئ زاغت الأبصار وبأي شئ تعلقت ظنونهم بالله تعالى.. الجواب قيل له في هذه الآية وجوه.. منها أن يكون المراد بذلك انهم جبنوا وفزع أكثرهم لما أشرف المشركون عليهم وخافوا من بوائقهم وبوادرهم ومن شأن الجبان عند العرب إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته ولهذا يقولون للجبان انتفخ سجره أي رئته وليس يمتنع أن تكون الرئة إذا انتفخت رفعت القلب ونهضت به إلى نحو الحنجرة وهذا التأويل قد ذكره الفراء وغيره ورواه الكلبي عن أبي صالح ابن عباس.. ومنها قيل إن القلوب توصف بالوجيب والاضطراب في أحوال الجزع والهلع .. قال الشاعر كأن قلوب أدلائها * معلقة بقرون الظباء .. وقال امرؤ القيس ولا مثل يوم في قدران ظلته * كأني وأصحابي علي قرن أعفرا ويروى في قدار ظللته أراد المبالغة في وصف نفسه وأصحابه بالقلق والاضطراب ومفارقة السكون والاستقرار وإنما خص الظبي لأن قرنه أكثر تحركا ونشاطه واضطرابا لنشاطه ومرحه وسرعته.. وقد قال بعض الناس ان امرأ القيس لم يصف شدة أصابته في
(٩)