أكاد أخفيها فمعنى أخفيها على هذا الوجه أظهرها.. قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا يخفي التراب بأظلاف ثمانية * في أربع مسهن الأرض تحليل أراد انه يظهر التراب ويستخرجه بأظلافه.. وقال امرؤ القيس فإن تدفنوا الداء لا نخفه * وإن تبعثوا الحرب لا نقعد أي لا نظهره.. وقال النابغة تخفي بأظلافها حتى إذا بلغت * يبس الكثيب تداعى الترب فانهدما وقد روى أهل العربية أخفيت الشئ يعني سترته وأخفيته بمعنى أظهرته وكأن القراءة بالضم تحتمل الأمرين الاظهار والستر والقراءة بالفتح لا تحتمل غير الاظهار وإذا كانت بمعنى الاظهار كان الكلام في كاد واحتمالها للوجوه الثلاثة التي ذكرناها كالكلام فيها إذا كانت بمعنى الستر والتغطية.. فان قيل فأي معنى لقوله إني أسترها لتجزى كل نفس بما تسعى وأظهرها على الوجهين جميعا وأي فائدة في ذلك.. قلنا الوجه في هذا ظاهر لأنه تعالى إذا ستر عنا وقت الساعة كانت دواعينا إلي فعل الحسن والقبيح مترددة وإذا عرفنا وقتها بعينه كنا ملجئين إلى التوبة بعد مقارفة الذنوب ونقض ذلك الغرض بالتكليف واستحقاق الثواب به فصار ما أريد به من المجازاة للمكلفين بسعيهم واتصال ثواب أعمالهم يمنع من اطلاعهم على وقت انقطاع التكليف عنهم فأما إذا كانت لفظة أخفيها بمعنى الاظهار فوجهه أيضا واضح لأنه تعالى إنما يقيم القيامة ويقطع التكليف ليجازى كلا باستحقاقه ويوفي مستحق الثواب ثوابه ويعاقب المسئ باستحقاقه فوضح وجه قوله تعالى (أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى) على المعنيين جميعا [قال المرتضى رضي الله عنه].. وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري يطعن على جواب من أجاب في قوله تعالى (وبلغت القبول الحناجر) بان معناه كادت تبلغ الحناجر ويقول كاد لا تضمر ولا بد من أن يكون منطوقا بها ولو جاز ضميرها لجاز أن يقال قام عبد الله بمعني كاد عبد الله يقوم فيكون تأويل قام عبد الله لم يقم عبد الله لان معنى كاد عبد الله يقوم لم يقم وهذا الذي ذكره غير صحيح ونظن ان الذي حمله على الطعن في هذا الوجه
(١٣)