ومعني تعلم في البيتين معنى اعلم والذي يدل ان المراد ههنا الاعلام لا التعليم قوله وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي انهما لا يعرفانه صفات السحر وكيفيته إلا بعد أن يقولا إنما نحن محنة لان الفتنة بمعنى المحنة وإنما كان محنة بحيث ألقيا إلى المكلفين أمرا لينزجروا عنه وليمتنعوا من مواقعته وهم إذا عرفوه أمكن أن يستعملوه ويرتكبوه فقالا لمن يطلعانه على ذلك لا تكفر باستعماله ولا تعدل عن الغرض في إلقاء هذا إليك فإنه إنما ألقى إليك واطلعت عليه لتجتنبه لا لتفعله ثم قال فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه أي فيعرفون من جهتهما ما يستعملونه في هذا الباب وإن كان الملكان ما ألقياه إليهم لذلك ولهذا قال ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم لأنهم لما قصدوا بتعلمه أن يفعلوه ويرتكبوه لا أن يجتنبوه صار ذلك لسوء اختيارهم ضررا عليهم.. وثانيها أن يكون ما أنزل موضعه موضع جر فيكون معطوفا بالواو على ملك سليمان والمعنى واتبعوا ما كذب به الشياطين على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين ومعنى ما أنزل على الملكين أي معهما وعلى ألسنتهما كما قال تعالى (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) أي على ألسنتهم ومعهم وليس بمنكر أن يكون ما أنزل معطوفا علي ملك سليمان وان اعترض بينهما من الكلام ما اعترض لأن رد الشئ إلى نظيره وعطفه على ما هو أولى هو الواجب وان اعترض بينهما ما ليس منهما ولهذا نظائر من القرآن وكلام العرب كثيرة قال الله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما) وقيم من صفات الكتاب حال منه لا من صفة عوج وان تباعد ما بينهما ومثله (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام) فالحرام ههنا معطوف علي الشهر أي يسئلونك عن الشهر الحرام وعن المسجد الحرام.. وحكي عن بعض علماء أهل اللغة أنه قال العرب تلف الحرفين المختلفين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة بان السامع يرد إلى كل خبره كقوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) وهذا واضح في مذهب العرب كثير التطابق ثم قال (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة) والمعنى انهما لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه ويبلغ من نهيهما وصدهما عن فعله واستعماله
(٧٨)