إنما هو ضربها أو دفعها عن نفسه كما يقول القائل كنت هممت بفلان وقد هم فلان بفلان أي بان يوقع به ضربا أو مكروها.. فان قيل فأي معنى لقوله تعالى (لولا أن رأى برهان ربه) والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها.. قلنا يمكن أن يكون الوجه في ذلك أنه لما هم بدفعها وضربها أراه الله برهانا على أنه ان أقدم على ما هم به أهلكه أهلها أي قتلوه أو انها تدعي عليه المراودة عن القبيح وتقذفه بأنه دعاها إليه وان ضربه لها كان لامتناعها فيظن به ذلك من لا تأمل له ولا علم بان مثله لا يجوز عليه فأخبر الله تعالى بأنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء يعنى بذلك القتل والمكروه الذين كانا يوقعان به لأنهما يستحقان الوصف بذلك من حيث القبح أو يعنى بالسوء والفحشاء ظنهم بذلك.. فان قيل هذا الجواب يقتضي ان جواب لولا يتقدمها ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهم بضربها ودفعها وتقديم جواب لولا قبيح غير مستعمل أو يقتضى أن تكون لولا بغير جواب.. قلنا أما تقدم جواب لولا فجائز وسنذكر ما فيه عند الجواب المختص بذلك غير أنا لا نحتاج إليه في هذا الجواب لأن العزم على الضرب والهم بالضرب قد وقع إلا أنه انصرف عنه بالبرهان والتقدير ولقد همت به وهم بدفعها لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك فالجواب في الحقيقة محذوف والكلام يقتضيه كما حذف الجواب في قوله تعالى (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم) معناه لولا فضل الله عليكم ورحمته لهلكتم ومثله (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم) معناه لو تعلمون علم اليقين لم تتنافسوا في الدنيا وتتفاخروا بها.. وقال امرؤ القيس فلو أنها نفس تموت سوية * ولكنها نفس تساقط أنفسا أراد فلو أنها نفس تموت سوية لانقضت وفنيت فحذف الجواب على أن من تأول هذه الآية على الوجه الذي لا يليق بنبي الله وأضاف العزم على المعصية إليه لابد له من تقدير جواب محذوف ويكون التقدير عنده ولقد همت بالزنا وهم به لولا أن رأى برهان ربه لفعله.. فان قيل قوله هم بها كقوله همت به فلم جعلتم همها متعلقا بالقبيح وهمه بها متعلقا بما ذكرتم من الضرب وغيره.. قلنا أما الظاهر فلا يدل على ما تعلق الهم به
(١٢٦)