.. فان قيل كيف يطابق هذا الجواب قوله من بعد فلا تستعجلون.. قلنا يمكن أن يكون وجه المطابقة انهم لما استعجلوا بالآيات واستبطؤها أعلمهم تعالى انه ممن لا يعجزه شئ إذا أراده ولا يمتنع عليه وان من خلق الانسان بلا كلفة ولا مئونة بان قال له كن فكان مع ما فيه من بدائع الصنعة وعجائب الحكمة التي يعجز عنها كل قادر ويحار فيها كل ناظر لا يعجزه اظهار ما استعجلوه من الآيات.. وخامسها ما أجاب به بعضهم من أن العجل الطين فكأنه تعالى قال خلق الانسان من طين كما قال تعالى في موضع آخر (وبدأ خلق الانسان من طين) واستشهد بقول الشاعر والنبع ينبت بين الصخر ضاحية * والنخل ينبت بين الماء والعجل ووجدنا قوما يطعنون في هذا الجواب ويقولون ليس بمعروف ان العجل هو الطين وقد حكي صاحب كتاب العين عن بعضهم ان العجل الحمأة ولم يستشهد عليه إلا أن البيت الذي أوردناه يمكن أن يكون شاهدا له وقد رواه ثعلب عن ابن الاعرابي وخالف في شئ من ألفاظه فرواه والنبع في الصخرة الصماء منبته والنخل ينبت بين الماء والعجل وإذا صح هذا الجواب فوجه المطابقة بين ذلك وبين قوله تعالى (فلا تستعجلون) على نحو ما ذكرناه وهو ان من خلق الانسان مع الحكمة الظاهرة فيه من الطين لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات أو يكون المعنى انه لا يجب لمن خلق من الطين المهين وكان أصله هذا الأصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل الله وآياته وشرائعه لأنه تعالى قال قبل هذه الآية (وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم).. وسادسها أن يكون المراد بالانسان آدم عليه السلام ومعنى من عجل أي من سرعة من خلقه لأنه لم يخلقه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة كما خلق غيره وإنما ابتدأه الله تعالى ابتداء وأنشأه انشاء فكأنه تعالى نبه بذلك على الآية العجيبة في خلقه له وانه عز وجل يرى عباده من آياته وبيناته أولا أولا ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه أحوالهم.. وسابعها ما روى عن مجاهد وغيره ان الله تعالى خلق آدم
(١١٨)