الواقع بالأموال والأولاد المتعلق بهما لأنا قد علمنا أولا ان قوله ليعذبهم بها لابد من الانصراف عن ظاهره لأن الأموال والأولاد نفسها لا تكون عذابا والمراد على سائر وجوه التأويل المتعلق بها والمضاف إليها سواء كان انفاقها والمصيبة بها والغم عليها أو إباحة غنيمتها واخراجها عن أيدي مالكيها فكان تقدير الآية إنما يريد الله ليعذبهم بكذا وكذا مما يتعلق بأموالهم وأولادهم ويتصل بها فإذا صح هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا لأفعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم التي تغضب الله تعالى وتسخطه كانفاقهم الأموال في وجوه المعاصي وحملهم الأولاد على الكفر وإلزامهم الموافقة لهم في النحلة ويكون تقدير الكلام إنما يريد الله ليعذبهم بفعلهم في أموالهم وأولادهم الواقع ذلك منهم في الحياة الدنيا وهذا وجه ظاهر يغنى عن التقديم والتأخير وسائر ما ذكروه من الوجوه .. فأما قوله تعالى (وتزهق أنفسهم) فمعناه تبطل وتخرج أي انهم يموتون على الكفر وليس يجب إذا كان مريدا لأن تزهق أنفسهم وهم على هذه الحال أن يكون مريدا للحال نفسها على ما ظنوه لأن الواحد منا قد يأمر غيره ويريد منه أن يقاتل أهل البغى وهم محاربون ولا يقاتلهم وهم منهزمون ولا يكون مريدا لحرب أهل البغي للمؤمنين وان أراد قتلهم على هذه الحالة وكذلك قد يقول لغلامه أريد أن تواظب على المصير إلى في السجن وأنا محبوس وللطبيب صر إلى ولازمني وأنا مريض وهو لا يريد المرض ولا الحبس وإن كان قد أراد ما هو متعلق بهاتين الحالتين.. وقد ذكر في ذلك وجه آخر على أن لا يكون قوله (وهم كافرون) حالا لزهوق أنفسهم بل يكون ذلك كأنه كلام مستأنف والتقدير فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم مع ذلك كافرون صائرون إلى النار وتكون الفائدة انهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة ويكون معنى تزهق أنفسهم على هذا الجواب غير الموت وخروج النفس على الحقيقة بل المشقة الشديدة والكلف الصعبة كما يقال ضربت فلانا حتى مات وتلفت نفسه وأخرجت روحه وما أشبه ذلك [قال الشريف] رضي الله عنه ذاكرني قوم من أهل الأدب بأشعار المحدثين وطبقاتهم وانتهوا إلى مروان بن يحيى بن أبي حفصة فأفرط بعضهم في وصفه وتقريظه
(١٥٥)