مقدرا لأن جعل جوابها موجودا أولا: وقد استبعد قوم تقديم جواب لولا عليها قالوا ولو جاز ذلك لجاز قام زيد لولا عمرو وقصدتك لولا بكر وقد بينا بما أوردناه من الأمثلة والشواهد جواز تقديم جواب لولا والذي ذكروه لا يشبه بما أجزناه وقد يجوز أن يقول القائل قد كان زيد قام لولا كذا وكذا وقد كنت قصدتك لولا أن صدني فلان وان لم يقع قيام ولا قصد وهذا الذي يشبه الآية وليس تقديم جواب لولا بأبعد من حذف جواب لولا جملة من الكلام وإذا جاز عندهم الحذف لئلا يلزمهم تقديم الجواب جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لا يلزم الحذف.. والجواب الثالث ما اختاره أبو علي الجبائي وإن كان غيره قد تقدمه إلى معناه وهو أن يكون معنى هم بها اشتهاها ومال طبعه إلى ما دعته إليه وقد يجوز أن يسمي الشهوة في مجاز اللغة هما كما يقول القائل فيما لا يشتهيه ليس هذا من همى وهذا أهم الأشياء إلى ولا قبح في الشهوة لأنها من فعل الله تعالى فيه وإنما يتعلق القبيح بتناول المشتهى.. وقد روى هذا الجواب عن الحسن البصري قال أما همها فكان أخبث الهم وأما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى (لولا أن رأى برهان ربه) متعلق بمحذوف كأنه قال لولا أن رأى برهان ربه لعزم أو فعل.. والجواب الرابع ان من عادة العرب أن يسموا الشئ باسم ما يقع فيه في الأكثر عنده وعلى هذا لا ينكر أن يكون المراد بهم بها أي خطر بباله أمرها ووسوس إليه الشيطان بالدعاء إليها من غير أن يكون هناك هم أو عزم فسمى الخطور بالبال هما من حيث كان الهم يقع في الأكثر عنده والعزم في الأغلب يتبعه وإنما أنكرنا ما ادعاه جهلة المفسرين ومحرفوا القصاص وقذفوا به نبي الله عليه السلام لما ثبت في العقول من الأدلة على أن مثل ذلك لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام من حيث كان منفرا عنهم وقادحا في الغرض المجري إليه بارسالهم والقصة تشهد بذلك لأنه تعالى قال (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) ومن أكبر السوء والفحشاء العزم على الزنا ثم الأخذ فيه والشروع في مقدماته وقوله تعالى أيضا (انه من عبادنا المخلصين) يقتضي تنزيهه عن الهم بالزنا والعزم عليه وحكايته عن النسوة قولهن (حاش لله ما علمنا عليه من سوء) يدل أيضا على أنه برئ من القبحين
(١٢٨)