ما قدمناه من الاختبار ولو لم يقع له ذلك لجوز نسخه لغرض توجيه الحكمة أو كان يجوز أن يكون في باطن الكلام خلاف ما في ظاهره أو يكون تفسير المنام بضد حقيقته، أو يحول الله عز وجل بين أبيه وبين مراده بالاخترام أو شغل يعوقه عنه.
ولا محالة أنه قد خطر بباله ما فعله الله من فدائه وإعفائه عن الذبح ولو لم يخطر ذلك لكان مجوزا عنده، إذ لو لم يجز في عقله لما وقع من الحكيم سبحانه وعلى أنه متى تيقن الفعل تيقنه من مشفق رحيم. وإذا تيقنه أمير المؤمنين - عليه السلام - تيقنه من عدو قاس حقود، فكان الفصل بين الأمرين لا خفاء به عند ذوي العقول.
فإن قال قائل منهم في الجواب الأول: إذا كنتم فضلتم عليا على إسماعيل في محنة الاستسلام للقتل ولم يمنع ذلك من فضل إسماعيل - عليه السلام - عليه في أمور توجب التفاوت بينه وبينه في الفضل فما أنكرتم أن يكون علي أفضل من أبي بكر بهذه الحال ولا يمنع ذلك من فضل أبي بكر عليه في طاعات أخر.
قيل له: الفصل بين الأمرين واضح، وذلك أنا إنما فضلنا إسماعيل - عليه السلام - على أمير المؤمنين - عليه السلام - مع اختصاصه بهذه الفضيلة منه، لإحاطة العلم منا بفضل النبوة لإسماعيل - عليه السلام - الذي لم يحصل لأمير المؤمنين - عليه السلام - مثله ولا حصل له معنى يوازيه ولفضيلة الوحي بنزول الملائكة وغير ذلك، فلو كان لأبي بكر فضل يوازي هذه الفضيلة أو يزيد عليها لوجب أن يكون معروفا، فلما وجدنا أبا بكر عريا من فضيلة المبيت على الفراش وعريا من فضيلة الجهاد ووجدنا كل فضل تدعيه أصحابه له قد شاركه فيه أمير المؤمنين - عليه السلام - وزاد عليه في معناه، بطل مقال من أوجب الشك في حاله على ما ذكرناه.
ولو جاز ذلك لقائل يقترحه بغير برهان، لجاز لآخر أن يوجب الشك في فضل بعض أمة النبي (ص) على كثير من الأنبياء - عليهم السلام - وإن لم يظهر منهم فعل