والقول الآخر زعموا أن ابن جرموز لما جاء برأس الزبير وبسيفه إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - قال له: سمعت رسول الله (ص) يقول: بشر قاتل ابن صفية بالنار قالوا: فلو لم يكن الزبير تائبا لما كان قاتله ضالا من أهل النار ولو لم يكن من أهل الجنة لما كان قاتله من أهل النار قال الشيخ أدام الله عزه: فيقال لهم: إن كان رجوع الزبير عند أذكار أمير المؤمنين - عليه السلام - توبة توجب مدحه فالإنصاف يوجب أن رجوعه عند تحريض ابنه له نقض للتوبة وإصرار يوجب ذمه، بل رجوعه إلى القتال على الوجه الذي روي أسوأ الحالة لأنه يدل على عناده بارتفاع الشبهة عنه في فسقه به وضلاله، ولأنه ترك الديانة للحمية والعصبية والأنفة ومحبة الرياسة، وهذا بخلاف ما ظننتموه.
أما قول أمير المؤمنين - عليه السلام -: " أفرجوا للشيخ فإنه محرج " فإنه متى صح كان على الاستهزاء والذم لأنه لا يجوز أن يأمر - عليه السلام - أصحابه بالتمكين لعدوه من حربه ولا يجيز لهم تسويغه إظهار خلافه، ولأن الحرج لا يدعو إلى الفسق ولا يبعث على خلاف الحق، مع أن الذي كان من ابن الزبير غير محرج لأهل الإيمان إلى إظهار الضلال ولا ملجئ لأحد من الخلق إلى ارتكاب المعاصي والطغيان، فعلم أن قول أمير المؤمنين - عليه السلام - متى صح عنه صلوات الله عليه وسلامه خرج مخرج قوله سبحانه: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * (1)، وقوله تعالى: * (انظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا) * (2)، وقوله سبحانه: * (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ) * (3)، ونظائر ذلك من آي القرآن.