- عليه السلام - فرددته وقلت له: رسول الله على شغل. فمضى ثم عاد ثانية فقال لي:
استأذن لي على رسول الله. فقلت له: إنه على شغل فجاء ثالثة فاستأذنت له فدخل فقال له النبي (ص): قد كنت سألت الله تعالى أن يأتيني بك دفعتين ولو أبطأت على الثالثة لأقسمت على الله بأن يأتيني بك.
فلولا أن النبي (ص) سأل الله عز وجل أن يأتيه بأحب خلقه إليه في نفسه وأعظمهم ثوابا عنده، وكانت هذه من أجل الفضائل لما آثر أنس أن يختص بها قومه، ولولا أن أنسا فهم ذلك من معنى كلام الرسول (ص) لما دافع أمر المؤمنين - عليه السلام - عن الدخول ليكون ذلك الفضل لرجل من الأنصار فيحصل له جزء منه.
وشئ آخر وهو أنه لو احتمل معنى لا يقتفي الفضيلة لأمير المؤمنين - عليه السلام -، لما احتج به أمير المؤمنين - عليه السلام - يوم الدار ولا جعله شاهدا على أنه أفضل من الجماعة، وذلك أنه لو لم يكن الأمر على ما وصفناه وكان محتملا لما ظنه المخالفون من أنه سأل ربه أن يأتيه بأحب الخلق إليه في الأكل معه، لما أمن أمير المؤمنين - عليه السلام - من أن يتعلق بذلك بعض خصومه في الحال أو يشتبه ذلك على إنسان. فلما احتج به أمير المؤمنين - عليه السلام - على القوم واعتمده في البرهان، دل على أنه لم يكن مفهوما منه إلا فضله، وكان إعراض الجماعة أيضا عن دفاعه عن ذلك بتسليم ما ادعاه دليلا على صحة ما ذكرناه.
وهذا بعينه يسقط قول من زعم أنه يجوز مع إطلاق النبي (ص) في أمير المؤمنين - عليه السلام - ما يقتضي فضله عند الله تعالى على الكافة، وجود من هو أفضل منه في المستقبل، لأنه لو جاز ذلك لما عدل القوم عن الاعتماد عليه ولجعلوه شبهة في منعه مما ادعاه من القطع على نقصانهم عنه في الفضل، وفي عدول القوم عن ذلك دليل على أن القول مفيد بإطلاقه فضله - عليه السلام - ومؤمن من بلوغ أحد منزلته في الثواب بشئ من الأعمال، وهذا بين لمن تدبره.