أكناف (3) البصرة وتسامع العرب بذلك، فوردوها من الأقطار البعيدة والبلاد الشاسعة، على اختلاف لغاتهم وتباين قطرهم، فخرجت مع جماعة من الكتاب ووجوه التجار، نتصفح أحوالهم ولغاتهم، ونلتمس فائدة ربما وجدناها عند أحدهم، فارتفع لنا بيت عال فقصدناه، فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه على عينيه كبرا، وحوله جماعة من عبيده وأصحابه، فسلمنا عليه فرد التحية وأحسن التلقية، فقال له رجل منا: هذا السيد - وأشار إلي - هو الناظر في معاملة الدرب، وهو من الفصحاء وأولاد العرب، وكذلك الجماعة ما منهم الا من ينتسب إلى قبيلة، ويختص بسداد وفصاحة، وقد خرج وخرجنا معه حين ورد نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم، وحين شاهدناك رجونا ما نبغيه عندك لعلو سنك، فقال الشيخ: والله يا بني أخي - حياكم الله - ان الدنيا شغلتنا عما تبتغونه مني، فان أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي وها بيته، وأشار إلى خباء كبير بإزائه، فقلنا: النظر إلى مثل والد هذا الشيخ الهم (4) فائدة تتعجل، فقصدنا ذلك البيت فوجدنا في كسره شيخا منضجعا، وحوله من الخدم والإماء أوفى مما شاهدناه أولا، ورأينا عليه من آثار السن ما يجوز له أن يكون والد ذلك الشيخ، فدنونا منه وسلمنا عليه فأحسن الرد وأكرم الجواب، فقلنا له مثل ما قلنا لابنه، وما كان من جوابه وانه دلنا عليك فعرجنا بالقصد إليك، فقال: يا بني أخي - حياكم الله - ان الذي شغل ابني عما التمستموه هو الذي شغلني عما هذه سبيله، ولكن الفائدة تجدونها عند
(٣٩٠)