فيه بل هو من خصال الإيمان، والكذب في الصغير ينبغي أن لا يساهل فيه فإنه مع كونه قبيحا في نفسه كثيرا ما يؤدي إلى ما هو أقبح منه كما أشار إليه (عليه السلام) بقوله: (فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترى على الكبير) أي على الكبير من الكذب، ولعله الكذب على الله وعلى رسوله أو مطلقا أو على الكبير من الذنوب فإن الكذب كثيرا ما يؤدي إلى ذنوب غيره كما أن ضده وهو الصدق يؤدي إلى البر والخير والعمل الصالح (أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقا وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا) صديق بالكسر والتثقيل: كثير الصدق والملازم له، والذي يطابق قوله فعله، ومنه يفهم أن الصدق يؤدي إلى العمل الصالح، والكذب خلافه، وفيه ترغيب في تحري الصدق دائما وترك التساهل في الكذب حتى يعرف به فإنه إذا تساهل في الكذب كثر منه وجر بعضه إلى بعض حتى يعتاد به فيكتب الله الأول لمبالغته في الصدق صديقا ويدخله في زمرة الصديقين، ويكتب الثاني كذابا ويدخله في جملة الكذابين، ولعل معنى يكتب على ظاهره يكتب في اللوح المحفوظ أو في دفتر الأعمال، أو في غيرهما أن فلانا صديق وفلانا كذاب ليعرفهما الناظرون إليه بهذين الوصفين، أو معناه يحكم لهما بذلك أو يوجب لهما استحقاق الوصف بصفة الصديقين وثوابهم وصفة الكذابين وعقابهم، أو معناه أنه يلقى ذلك في قلوب المخلوقين ويشهره بين المقربين وإلا فالقضاء سبق بما كان وما يكون والله أعلم.
3 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل جعل للشر أقفالا وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب والكذب شر من الشراب.
* الشرح:
قوله (والكذب شر من الشراب) يفيد أن الكذب شر مبدأ لجميع الشرور مثل خراب الدين والدنيا وثوران الفتنة وصب الدماء ونهب الأموال وتهيج العداوة والبغضاء والتفرق بين الأحبة إلى غير ذلك من أنواع المفاسد وأنحاء الظلم، ولذلك اتفق أرباب الملل وغيرهم على تحريمه وادعى المعتزلة أن قبحه بالضرورة لذاته وهو رذيلة مقابلة للصدق داخلة تحت رذيلة الفجور، والصدق بحكم المقابلة خير مبدأ لجميع الخيرات، ومن طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) «قال: «إن الكذب فجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الصدق بر وإن البر يهدي إلى الجنة» والفجور اسم جامع للشر كله والبر اسم جامع للخير كله، وأما كونه شرا من الشراب فلعل الوجه فيه أن الشرور التابعة للشراب تصدر بلا شعور بخلاف الشرور التابعة للكذب.
4 - عنه، عن أبيه، عمن ذكره، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه عن أبي