فاضطجع الحسن على عضد النبي (صلى الله عليه وآله) الأيمن، والحسين على عضده الأيسر فغفيا، وانتبها قبل أن ينتبه النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد كانت فاطمة (عليها السلام) لما ناما انصرفت إلى منزلها، فقالا لعائشة: ما فعلت أمنا؟ قالت: لما نمتما رجعت إلى منزلها.
فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق، وقد أرخت السماء عزاليها (1)، فسطع لهما نور، فلم يزالا يمشيان في ذلك النور، والحسن قابض بيده اليمنى على يد الحسين اليسرى، وهما يتماشيان ويتحدثان، حتى أتيا حديقة بني النجار، فلما بلغا الحديقة حارا، فبقيا لا يعلمان أين يأخذان، فقال الحسن للحسين: إنا قد حرنا، وبقينا على حالتنا هذه، وما ندري أين نسلك، فلا عليك أن ننام في وقتنا هذا حتى نصبح.
فقال له الحسين (عليه السلام): دونك يا أخي فافعل ما ترى، فاضطجعا جميعا، واعتنق كل واحد منهما صاحبه وناما.
وانتبه النبي (صلى الله عليه وآله) من نومته التي نامها، فطلبهما في منزل فاطمة، فلم يكونا فيه، وافتقدهما، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) على رجليه، وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي، هذان شبلاي، خرجا من المخمصة والمجاعة، اللهم أنت وكيلي عليهما.
فسطح للنبي (صلى الله عليه وآله) نور، فلم يزل يمضي في ذلك النور حتى أتى حديقة بني النجار، فإذا هما نائمان قد اعتنق كل واحد منهما صاحبه، وقد تقشعت السماء فوقهما كطبق، فهي تمطر كأشد مطر، ما رآه الناس قط، وقد منع الله عز وجل المطر منهما في البقعة التي هما فيها نائمان، لا يمطر عليهما قطرة، وقد اكتنفتهما حية لها شعرات كآجام (2) القصب وجناحان، جناح قد غطت به الحسن، وجناح قد غطت به الحسين، فلما أن بصر بهما النبي (صلى الله عليه وآله) تنحنح، فانسابت الحية وهي تقول:
اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك أن هذين شبلا نبيك، قد حفظتهما عليه ودفعتهما