مغشيا عليه، ثم قال: تا لله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها.
ثم قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال: بلى يا أشعث، قد أنزل الله عليهم كتابا، وبعث إليهم نبيا، وكان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك، دنست علينا ديننا فأهلكته، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد. فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم. فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أن الله عز وجل لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك. قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته، وبناته من بينه؟ قالوا: صدقت، هذا هو الدين، فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة، يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم.
فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثم قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من أقصى المسجد، متوكئا على عكازة، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين، دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار. فقال له: اسمع يا هذا، ثم افهم، ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عز وجل، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها، أي إلى الكفر بعد الايمان. أيها السائل، فلا تغترن بكثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى.
أيها الناس، إنما الناس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه، ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من