ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير.
قال يعقوب: قد علمتم أن ابن يامين أحبكم إلي بعد أخيكم يوسف، وبه أنسي، وإليه سكوني من بين جماعتكم، فلن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم. فضمنه يهودا، فخرجوا حتى وردوا مصر، فدخلوا على يوسف (عليه السلام)، فقال لهم: هل بلغتم رسالتي؟ قالوا: نعم، وقد جئناك بجوابها مع هذا الغلام فسله عما بدا لك. قال له يوسف: بما أرسلك أبوك إلي يا غلام؟ قال:
أرسلني إليك يقرئك السلام، ويقول: إنك أرسلت إلي تسألني عن حزني، وعن سرعة الشيب إلي قبل أوان المشيب، وعن بكائي وذهاب بصري، فإن أشد الناس حزنا وخوفا أذكرهم للمعاد، وإنما أسرع الشيب إلي قبل أوان المشيب لذكر يوم القيامة، وأبكاني وبيض عيني الحزن على حبيبي يوسف، وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك بأمري، فكان الله لك جازيا ومثيبا، وإنك لن تصلني بشئ أنا أشد فرحا به من أن تعجل علي ولدي ابن يامين، فإنه أحب أولادي إلي بعد يوسف، فأونس به وحشتي، وأصل به وحدتي، وتعجل علي بما أستعين به على عيالي.
فلما قال هذا خنقت يوسف (عليه السلام) العبرة حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة، ثم خرج إليهم وأمر لهم بطعام، وقال: ليجلس كل بني أم على مائدة.
فجلسوا وبقي ابن يامين قائما، فقال له يوسف: ما لك لم تجلس؟ فقال له: ليس لي فيهم ابن أم. فقال له يوسف (عليه السلام): أفما كان لك ابن أم؟ فقال له ابن يامين: بلى.
فقال له يوسف (عليه السلام) فما فعل؟ قال: زعم هؤلاء أن الذئب أكله. قال: فما بلغ من حزنك عليه؟ قال: ولد لي اثني عشر ابنا كلهم اشتق لهم اسما من اسمه. فقال له يوسف (عليه السلام): أراك قد عانقت النساء، وشممت الولد من بعده! فقال له ابن يامين:
إن لي أبا صالحا، وإنه قال لي: تزوج، ولعل الله عز وجل يخرج منك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح. فقال له يوسف (عليه السلام): تعال فاجلس على مائدتي. فقال إخوة يوسف:
لقد فضل الله يوسف وأخاه حتى إن الملك قد أجلسه معه على مائدته.