اشتفيت. فأمر ابن زياد بردهم إلى السجن، وبعث البشائر إلى النواحي بقتل الحسين (عليه السلام).
ثم أمر بالسبايا ورأس الحسين (عليه السلام) فحملوا إلى الشام، فلقد حدثني جماعة كانوا خرجوا في تلك الصحبة: أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن على الحسين (عليه السلام) إلى الصباح، وقالوا: فلما دخلنا دمشق أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم؟
فقالت سكينة بنت الحسين (عليه السلام): نحن سبايا آل محمد. فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا، وفيهم علي بن الحسين (عليهما السلام)، وهو يومئذ فتى شاب، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام، فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة. فلم يأل عن شتمهم، فلما انقضى كلامه، قال له علي بن الحسين (عليهما السلام): أما قرأت كتاب الله عز وجل؟ قال: نعم. قال: أما قرأت هذه الآية ﴿قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ (١)؟ قال: بلى. قال: فنحن أولئك.
ثم قال: أما قرأت (وآت ذا القربى حقه) (٢)؟ قال: بلى. قال: فنحن هم. قال: فهل قرأت هذه الآية: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ (3)؟ قال: بلى. قال: فنحن هم. فرفع الشامي يده إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أتوب إليك. ثلاث مرات، اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد، ومن قتلة أهل بيت محمد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.
ثم أدخل نساء الحسين (عليه السلام) على يزيد بن معاوية، فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله، وولولن وأقمن المأتم، ووضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يديه، فقالت سكينة: والله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه