تمليك عين متمول بعوض مالي، والصلح على العين المتمول بعوض مالي يكون عين ذلك الذي ذكرنا، غاية الأمر بصيغة الصلح فهو بيع، والاختلاف في اللفظ فقط.
وهكذا الصلح على منفعة معلومة بعوض معلوم يكون تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم، وهذا عين الإجارة غاية الأمر بلفظ الصلح. وإن كان تمليك المنفعة بلا عوض يكون عارية بلفظ الصلح، فليس الصلح عقدا برأسه ومعاملة مستقلة، بل في كل باب يكون من فروع ذلك الباب.
هذا غاية ما توهموا.
ولكن أنت خبير بأنه أولا: قد يوجد مورد للصلح حسب النصوص الواردة في باب الصلح لا ينطبق لا على البيع، ولا على الإجارة، ولا على العارية، ولا على الهبة كما روى: إذا كان رجلان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه، ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال: " لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما ". (1) فهذا ليس ببيع، لان العوضين مجهولان من حيث المقدار، ولا هبة، لأنه ليس إعطاء مجان بل لكل واحد منهما عوض، ولا عارية وليس بإجارة، لأنه تمليك عين لا منفعة، ولا ينطبق على أي واحد من عناوين المعاملات، فلابد وأن يكون عقدا مستقلا، إذ لا يمكن أن يكون من فروع أي عقد آخر ومعاملة أخرى، هذا أولا.
وثانيا: أن المنشأ في عقد الصلح عنوان التسالم والموافقة، وفي سائر العقود عناوين أخر. وصرف الاشتراك في الأثر لا يخرج الشئ عما وقع عليه، وحيث أن المنشأ فيه مختلف مع المنشأ في سائر العقود والمعاملات، فلا يصح إطلاق البيع أو الإجارة أو العارية أو الهبة عليه، فالقول بأنه في كل باب يعد من فروع ذلك الباب لا أساس له،