والمفروض أن السبب مركب من فعلين والتزامين، وهو ليس له سلطان إلا على فعل نفسه، فله أن يرفع اليد عن التزام نفسه، وأما رفع اليد عن التزام غيره الذي هو فعل الغير، ليس له ذلك، لعدم سلطنته على الغير.
هذا ولكن أنت خبير بأن تلك العقدة وإن كانت تحصل من التزام الطرفين بالبقاء بمضمون هذا العقد، ولكن ارتفاعها كما يكون برجوع كلا الطرفين عن التزامهما، كذلك يمكن برجوع أحدهما وحده. وذلك من جهة أن المعلول كما أنه يرتفع بارتفاع جميع أجزاء علته كذلك يرتفع بارتفاع بعض أجزائها وهذا واضح، وإنما الكلام في أنه هل يجوز لكل واحد منهما رفع اليد عن التزامه منفردا أو يجوز لكليهما رفع اليد عن التزامهما معا، أو لا يجوز مطلقا، لا مجتمعا ولا منفردا، أو يفصل بأنه لا يجوز منفردا ويجوز معا ومجتمعا، وهذا الأخير هي الإقالة.
وقد ظهر مما تقدم أن الحق هو التفصيل في اللزوم الحقي بأنه يجوز رفع اليد عن التزامهما جمعا وبرضاية الطرفين دون أحد الطرفين بدون رضاية الطرف الآخر وذلك لما بينا أن التزام كل واحد منهما حيث يكون برعاية الطرف الآخر فيوجد عند العقلاء وفي اعتبارهم حق الزامه بالوفاء بما التزم به رعاية له، وأما رفع اليد عن التزامه برضا الطرف فلا ينافي كون الطرف له حق الزامه، وعلى هذا الأساس بنينا صحة الإقالة وجريانها على القاعدة في كل معاملة وعدم احتياجها إلى ورود دليل على صحة جريانها.
وخلاصة الكلام أن الدليل على أصالة اللزوم في العقود العهدية تنجيزية كانت كالبيع والإجارة والصلح وغيرها، أو تعليقية كالجعالة هو بناء العقلاء على وجوب العمل بالتزامه وتعهده، وقبح التخلف ورفع اليد عن ذلك الالتزام، وذكرنا أن نقض العهد يعد عندهم من أرذل الرذائل ومن منافيات الشرف والفضيلة، والشارع الأقدس لم يردعهم من هذه الطريقة، بل أمضاها بقوله تعالى أوفوا بالعقود كما