الرحمة أن الأثر حصل مضافا إلى الضرب دون الشهادتين لوجهين أحدهما أن الشهود لم يشهدوا على ضرب جارح لان الضرب الجارح غير مستحق في الجلد فلا يكون الجرح مضافا إلى شهادتهم والثاني أن الضرب مباشرة الاتلاف والشهادة تسبيب إليه وإضافة الأثر إلى المباشرة أولى من اضافته إلى التسبيب الا انه لا ضمان على بيت المال لان هذا ليس خطأ من القاضي ليكون عطاؤه في بيت المال لنوع تقصير منه ولا تقصير منه ولا تقصير من جهته ههنا فلا شئ على بيت المال هذا إذا رجعوا جميعا فاما إذا رجع واحد منهم فإن كان قبل القضاء يحدون جميعا عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يحد الراجع خاصة وجه قوله إن كلامهم وقع شهادة قذفا لكمال نصاب الشهادة وهو عدد الأربعة وإنما ينقلب قذفا بالرجوع لم يوجد الامن أحدهم فينقلب كلامه قذفا خاصة بخلاف ما إذا أشهد ثلاثة بالزنا انهم يحدون لان هناك نصاب الشهادة لم يكمل فوقع كلامهم من الابتداء قذفا (ولنا) ان كلامهم لا يصير شهادة الا بقرينة القضاء ألا ترى انها لا تصير حجة الا به فقبله يكون قذفا لا شهادة فكان ينبغي أن يقام الحد عليهم بالنص لوجود الرمي منهم الا انه لا يقام لاحتمال ان يصير شهادة بقرينة القضاء ولئلا يؤدى إلى سد باب الشهادة فإذا رجع أحدهم زال هذا المعنى فبقي كلامهم قذفا فيحدون وصار كما لو كان الشهود من الابتداء ثلاثة فإنهم يحدون لوقوع كلامهم قذفا كذا هذا وإن كان بعد القضاء قبل الامضاء فإنهم يحدون جميعا عندهما وعند محمد الراجع خاصة وجه قوله أن كلامهم وقع شهادة لاتصال القضاء به فلا ينقلب قذفا الا بالرجوع ولم يرجع الا واحد منهم فينقلب كلامه خاصة قذفا فلم يصح رجوعه في حق الباقين فبقي كلامهم شهادة فلا يحدون ولهما أن الامضاء في باب الحدود من القضاء بدليل ان عمى الشهود أوردتهم قبل القضاء كما يمنع من القضاء فبعده يمنع من الامضاء فكان رجوعه قبل الامضاء بمنزلة رجوعه قبل القضاء ولو رجع قبل القضاء يحدون جميعا بلا خلاف بين أصحابنا الثلاثة كذا إذا رجع بعد القضاء قبل الامضاء وإن كان بعد الامضاء فإن كان الحد جلدا يحد الراجع خاصة بالاجماع لان رجوعه صحيح في حقه خاصة لا في حق الباقين فانقلبت شهادته خاصة قذفا فيحد خاصة وإن كان الحد رجما ومات المقذوف بحد الراجع عند أصحابنا خلافا لزفر وقد مرت المسألة هذا حكم الحد فاما حكم الضمان فلا ضمان إذا كان رجوعه قبل القضاء أو بعده قبل الامضاء لما قلنا وأما بعد الامضاء فإن كان الحد جلد فلا شئ على الراجع من أرش السياط ولا من الدية ان مات عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يجب وإن كان رجما غرم الراجع ربع الدية لان الثلاثة يحفظون ثلاثة أرباع الدية فكان التالف بشهادته الربع هذا إذا كان شهود الزنا أربعة فأما إذا كانوا خمسة فرجع واحد منهم فان القاضي يقيم الحد على المشهود عليه بما بقي من الشهود لان الأربعة نصاب تام يحفظون الحد على المشهود عليه وان أمضى الحد ثم رجع اثنان ضمنا ربع الدية ان مات المرجوم لان الثلاثة قاموا بثلاثة أرباع الحق فكان التالف بشهادتهما الربع فيضمنانه وان لم يمت فليس عليهما أرش للضرب عند أبي حنيفة وعندهما يجب وقد تقدمت المسألة والثاني وجوب التعزير في عموم الشهادات سوى الشهادة على الزنا بأن تعمد شهادة الزور وظهر عند القاضي باقرار لان قول الزور جناية ليس فيها فيما سوى القذف حد مقدر فتوجب التعزيز بلا خلاف بين أصحابنا وإنما اختلفوا في كيفية التعزيز قال أبو حنيفة عليه الرحمة تعزيره تشهير فينادى عليه في سوقه أو مسجد حيه ويحذر الناس منه فيقال هذا شاهد الزور فاحذروه وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يضم إليه ضرب أسواط هذا إذا تاب فأما إذا لم يتب وأصر على ذلك بأن قال إني شهدت بالزور وأنا على ذلك قائم يعزر بالضرب بالاجماع احتجا بما روى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ضرب شاهد الزور وسخم وجهه ولان قول الزور من أكثر الكبائر وليس إليه فيما سوى القذف بالزنا حد مقدر فيحتاج إلى أبلغ الزواجر ولأبي حنيفة رحمه الله ما روى أن شريحا كان يشهر شاهد الزور ولا يعزره وكان لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله تعالى عليهم ولم ينقل انه أنكر عليه منكر ولان الكلام فيمن أقر انه
(٢٨٩)